هل تفكيرك عاطفي أم عقلاني؟ ربما يميل كثيرون إلى وصف تفكيرهم بالعقلانية، اعتقادا منهم أن التفكير الجيد لا يستقيم إلا بغياب العاطفة، وهذا اعتقاد غير صحيح؛ فليس المطلوب هنا تنحية العاطفة بل العمل على مراعاة التوازن بين العقلانية والعاطفية في تفكيرنا وسلوكنا. ولكي نكتسب القدرة على تحقيق هذا التوازن بين العقل والعاطفة، كشف لنا العلماء عن مصطلح حديث أطلق عليه الذكاء العاطفي «The emotional intelligence»، وأول من استخدمه «سالوفي وماير Salovey and Mayer». حيث وصفا الذكاء العاطفي بأنه نوع من الذكاء الاجتماعي المرتبط بالقدرة على مراقبة الشخص لذاته ولعواطفه ولعواطف الآخرين واستخدام المعلومات الناتجة عن ذلك في ترشيد تفكيره وتصرفاته وقراراته. ولو نظرنا إلى ثقافتنا الإسلامية لوجدنا سعيها الحثيث إلى تحقيق هذا التوازن بين الفكر والعاطفة، وتأمل التعبير القرآني (قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بها) في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا..} (46) سورة الحج، تجده مزيجًا بديعًا بين العقل والقلب. ويعد الذكاء العاطفي عاملًا مهمًا في تحديد نجاحك بمسارات حياتك الدراسية والمهنية والأسرية، حيث ينمي نظرة إيجابية واقعية تجاه الذات ويعزز اتخاذ قراراتك الحياتية بشكل أفضل، وتحفيز نفسك ذاتيًا لتكون أكثر فعالية في العمل وإقامة علاقات ناجحة مع الآخرين والفطنة في التعامل مع الضغوط الحياتية. وعندما ينخفض رصيد المرء من الذكاء العاطفي، فسوف تجد تفشي خطاب اللوم والانتقاد ورفض تحمل المسؤولية، والعجز عن التحكم في التقلبات المزاجية، وهيمنة الانفعالات السلبية في العلاقات في المحيط الاجتماعي وتضخيم الإحباطات. عرض دانيال جولمان Daniel Goleman خمس مهارات أساسية للذكاء العاطفي، وبوسعك أن تجد أصولها مبثوثة في هدي النبوة: 1. الوعي الذاتي Self-awareness وهو القدرة على التصرف والقدرة على فهم الشخص لمشاعره وعواطفه ودوافعه وتأثيرها على الآخرين من حوله. في الحديث: ((لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ: يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاءِ لِمَا لا يُطِيقُ )) رواه الترمذي. 1. ضبط الذات Self-control وهو القدرة على ضبط وتوجيه الانفعالات والمشاعر القوية تجاه الآخرين. وفي الحديث: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ)). متفق عليه. 1. الحافز Motivation وهو حب العمل بغض النظر عن الأجور والترقيات والمركز الشخصي. وفي الحديث: ((إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَه)). رواه البيهقي 1. التعاطف Empathy وهو القدرة على تفهم مشاعر وعواطف الآخرين وكذلك المهارة في التعامل مع الآخرين فيما يخص ردود أفعالهم العاطفية. وفي الحديث: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)) رواه البخاري. 2. المهارة الاجتماعية Social skill وهي الكفاءة في إدارة العلاقات وبنائها والقدرة على إيجاد أرضية مشتركة وبناء التفاهمات. وفي الحديث: ((خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) أخرجه أحمد. أكثر الفئات حاجة إلى تعلم هذه المهارات هم طلابنا، وقد اطلعت على جهود مشكورة في تفعيل البرنامج الوقائي الوطني للطلاب والطالبات (فطن) وهو برنامج أطلقته وزارة التعليم للعناية بتنمية مهارات الطلاب والطالبات الشخصية والاجتماعية، وهي جهود جديرة بالدعم والتشجيع لتحقيق أهدافه المنشودة.