أكد عدد من المثقفين والفنانين بوجود اختلاف في وجهات النظر حول بعض الفعاليات التي تقام في الآونة الأخيرة، وتصرف عليها المبالغ الكبيرة، فيما الفئة المستهدفة تعد نخبة من الجمهور أعدادهم قليلة جدا، بينما على الجانب الآخر تجد الفعاليات الفنية والثقافية الجماهيرية انحسارا في الدعم؛ نظرا لاعتقاد المسؤولين بأنها لا تستحق أن تعطى الاهتمام اللازم. مركز قياس في البداية، قيّم نائب رئيس إدارة نادي الأحساء الأدبي خالد الجريان المشهد الثقافي بقوله: بصفة عامة هو مشهد نخبوي يستهدف طبقة مثقفة في المجتمع، وفي الآونة الأخيرة ومع التقدم التقني وتطور وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة والمتجددة رأينا تغيرًا ملحوظًا في المشهد في محافظة الأحساء، حيث التوجه لفئات المجتمع عامة وليس الاقتصار على النخبة. أما ما يقدم في المسرح وفي بعض الفعاليات ومناسبتها والإرث الحضاري للأحساء يجد الجريان أنها لا تتناسب مع ذلك الإرث، وهو ما يدعو لضرورة توافر مركز يحتضن هذه الفعاليات ويدرسها ويوجهها بعد قياس رغبة الناس وتطلعاتها. الصالونات الأدبية من جهته، أشار الشاعر جاسم العساكر إلى أن النشاطات الثقافية غير الرسمية، التي يشرف عليها عادة أفراد تكون مصنفة إلى صنفين، إما أن تكون مقامة من قبل فئة تتمتع بوفرة المال، ويلازمها عشق الثقافة، التي على ضوئها قاموا بإنشاء منتديات أهلية أو صالونات ثقافية، والتي أثبت بعضها جدواه وجدارته. أما الصنف الثاني، فهم أناس يتمتعون بوفرة ثقافية أكثر منها مالية، يعقدون جلساتهم الدورية في مقاهٍ أو أماكن عامة، وأحيانا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها كمنتديات فكرية وأدبية. وعما إذا كانت النشاطات تتوازن مع الإرث الحضاري للأحساء، أوضح العساكر أن المجتمع الشعبي في عمومه ليس مهموما كثيرا بالاشتغالات الثقافية الجادة، خاصة وهو مشغول بمطاردة لقمة عيشه، وكأنما أصبحت هذه المناشط حكرا على المهتمين والنخب عدا المناشط الترفيهية والمهرجانات. أبراج عاجية من جهته، قال الشاعر صلاح بن هندي: إن الأنشطة الجماهيرية كانت موجودة سابقا في المدارس عندما كانت تقدم مسرحيات اجتماعية وتاريخية ومسابقات ثقافية، مشيرا إلى أن ذلك تمت مصادرته من قبل أكاديميين ومثقفين يعيشون في أبراج عاجية ولا يلتفتون لما يطلبه المشاهدون والمستمعون. وأضاف: للأسف تم إقصاء الأدب الشعبي فلم نعد نرى المنولوجست ولا الشاعر الشعبي ولا الاهتمام بالفلكلور إلا عند الأقلية، لذلك أعرض الجمهور عن كل نشاطاتهم النخبوية. وأكد ابن هندي في نهاية مشاركته أن الأحساء على سبيل المثل بلد ريفي ومدني في الوقت نفسه، يحن أهلها لماضي أسلافهم والعادات الشعبية التي تربوا عليها، حتى مع الانفجار المعرفي والتقني الذي تشهده المملكة، متسائلا هل يعي المثقفون النخبويون هذه القيمة التي يفتقدها المواطنون؟. دور اجتماعي وقال سلطان النوة: بكل تأكيد فإن الشريحة الكبرى من المجتمع هي شريحة جماهيرية وغير نخبوية، تشكل في معظم المجتمعات الغالبية الكبرى، وبالتالي إذا ما أردنا إحياء الموروث وتنمية الجوانب الثقافية بالمجتمع، فعلينا ألا نغفل تلك الفئة الكبرى وما يناسبها من برامج وفعاليات وأنشطة مختلفة. وأضاف: لا يزال واقع البرامج الثقافية محدودا ولا يحظى بالاهتمام المأمول، حتى مع وجود هيئة الترفيه التي تحتاج لمزيد من الوقت لتنفيذ روزنامة بأنشطة مختلفة تلبي حاجة كافة المناطق، وهذا لا يجعلنا نغفل الدور الاجتماعي المهم على وزارة الثقافة وهيئة السياحة وجمعيات الثقافة والفنون وأمانات المدن، إضافة للجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة، بهدف زيادة جراعات الجانب الثقافي في المجتمع. القيمة الإبداعية في حين أشار الشاعر عبدالله الخضير إلى أن العمل الثقافي غير النخبوي هو رِهان على القيمة الإبداعية وعلى المستقبل، وليس على ما هو عابر وزائل، مؤكدا أنه من الضروري الإيمان بأنّ للأدب ارتباطاً قويّاً بالمجتمع الذي ينتجه؛ ممّا يجعله قابلاً للتأثر بالظواهر الاجتماعية التي تنتشر فيه، وهذا واضح وملموس على مبدعي ومبدعات المنطقة في تقديم ما لديهم من أفكار ورؤى ثقافية جديدة. وأشار الخضير إلى أن حاجز النخبوية انكسر وتمّ تجاوزه بإرادة قيادات ثقافية استطاعت أن تفتح أبوابها لأي شاب وشابة لديهم الطموح والأمل وروح الإبداع وحب الوطن، وهو ما يؤكد أن المجتمع لديه رغبة قوية للخروج عن النمط النخبوي، الذي قتل الإبداع في نفوس الناشئة.