في زمننا هذا زاد التركيز على الإيجابية والتفاؤل والعيش بوعي والبحث عن السعادة. وعلى أنني أعد نفسي من المتفائلين إلا أنني مثل غيري ينتابني الحزن والغضب والشك وغيرها من المشاعر التي تصنف على أنها سلبية. فلا أَجِد لها متسعًا من التعبير كغيرها. ومع كثر التشجيع على الإيجابي قد يظن المرء أن كل شيء إيجابي يجب إظهاره بينما كل شيء سلبي يجب اخفاؤه. ولكن مجموع المشاعر سواء الإيجابي أو السلبي جزء طبيعي من حياتنا ومن الصعب أن نعترف بأحدهما دون الآخر. فما هي السعادة إن لم تكن حالة أفضل من التي سبقتها؟ إن السعادة من المشاعر التي يصعب تعريفها، فهي ليست حالة واحدة ثابتة بل نستشعرها بالمقارنة بحالة أخرى. كذلك فإن ما قد يسعدنا اليوم قد يفقد بريقه غدا وبذلك نبحث دوما عن تحقيق هدف متحرك وغير ثابت. كل ما اقتربنا منه تباعد كالسراب. إن تحقيق السعادة ليس مستحيلًا ولكنه يعتمد بشكل كبير على منظورنا للأشياء وقيمنا التي نعيشها. ولكن ماذا عن تلك المشاعر السلبية؟ أين مكانها في حياتنا؟ هل نحاول تجاهلها حتى تعبر وكأنها غيمة لا بد لها أن تمطر ونتحمل ما تجلب لنا؟ أم أننا نغطي تلك المشاعر السلبية بتخدير مشاعرنا؟ أين نفرغ الغضب والحزن والقلق وتأنيب الضمير وخصوصا عندما لا يكون من اللائق التعبير عنها في مجتمع يفضل المثاليات الزائفة ولا يعترف بكامل المشاعر لأن البعض منها مزعج؟ ما زلت أتذكر حديث أخصائية نفسية كانت تقول إنه لا توجد مشاعر «خاطئة» وان علينا أن نسمح لأنفسنا بأن نحس ما نحسه بالفعل؛ لأن هذا جزء أساسي من التعامل مع أنفسنا ومحيطنا. ماذا لو اعتبرنا الإيجابي والسلبي كالشمس والقمر مثلا؟ كلاهما له دور ووقت ليؤثر على حياتنا. لا يمكن لنا أن نتجاهلهما أو نقرر الاكتفاء بالشمس مثلا. وإن كانت الشمس تجدد الحياة وتجلب النشاط وتحفز على الانطلاق والنمو فإن القمر قد يلهم الشعراء وينير عتمة الليل ويدعو للهدوء والاستماع إلى صوتنا الداخلي. لا يمكننا أن نقارن أحدهما بالآخر دون أن نظلم أحدهما لاختلافهما الشاسع. كذلك المشاعر الإيجابية والسلبية هي جزء لا يتجزأ منا وتبين كذلك أن السلبية منها لها فوائد عدة. ففي كتاب تود كاشدان (Todd Kashdan) بعنوان (The Upside of your Dark Side) يتكلم عن أن الغضب هو وقود الإبداع وأن الشك الذاتي يتحول إلى دافع لتحسين الأداء وأن القلق قد يجعلك تنتبه للتفاصيل. أما تأنيب الضمير فقد يكون الدافع للتغيير وكذلك عدم التركيز مفيد جدا. فعندما نترك لأنفسنا فرصة لنسرح يزيد فيها نشاط الدماغ ويساعدنا ذلك على اتخاذ قرارات خصوصا عندما نستمد دعم عقلنا الباطن. الأمثلة كثيرة وتدل على أن الاعتراف بكامل مشاعرنا والتعامل معها يثري الحياة ويعطينا الفرصة في التعبير عن ذواتنا. لعل أهم ما علينا فعله بمشاعرنا السلبية هو تقبلها أولا وفهمها هي ومسبباتها ثانيا. بعد ذلك يمكن تحويلها إلى ما يمكن أن يفيدنا ويحسن من حالنا.