لكل شعب من الشعوب نمطه وآليته ولغته الخاصة في المصافحة والسلام وتبادل التحيات والقبلات في كل المناسبات، وقد أطلق الباحثون على المجال العلمي الذي يدرس ويهتم بالقبل اسم «فيليماتولوغي» وترجمته بالعربي هو «علم استكشاف القُبل»، وقد جاء في احدى الاحصائيات الغربية ان السويد تحتل المركز الأول في القبلات بمعدل 7 قبلات في اليوم للشخص الواحد، بينما ألمانيا تحتل المركز الثاني في قائمة الدول الأكثر تقبيلا، وذلك بمعدل أربع قبلات للشخص الواحد في اليوم، ولست مع هذه الاحصائيات على الاطلاق، لأنني أرى ان المجتمعات العربية هي من أكثر المجتمعات غزارة (كما ونوعا) في استهلاك القبلات، وشعوبها أكثر شعوب العالم تقبيلا، وربما هي المجتمعات الوحيدة التي تتشكل فيها سمات متعددة ومختلفة من القبلات، فهناك من يقبل الرأس والأنف، وهناك من يقبل الخدود، وهناك من يقبل اليدين والرجلين والكتفين، وقد يكون السبب في ذلك هو (الرومانسية) المفرطة التي تتمتع بها الشعوب العربية، أو ربما هناك اسباب أخرى، وأيا يكن الأمر، فما ان يسلم عليك احدهم الا ويمطرك بقبلاته الحارة، حتى لو كنت قد قابلته منذ ايام قليلة فسيستمر بتقبيلك بطريقة آلية، فتارة (يلطعك) بقبلة في خدك الأيسر وتارة أخرى في خدك الأيمن، ولا أعرف السبب في ذلك سوى الانفتاح الرومانسي المفرط غير الممزوج بشوق اللقاء والعاطفة الجياشة، وهذا النوع العاطفي (يعاني) منه الكثير من الناس في عالمنا العربي، وهو اقرب ما يكون عادة تعود عليها الناس وابعد ما يكون (عاطفة جياشة)، بل لا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك، وهذه حقيقة ينبغي الاعتراف بها!. البعض منا يقابل تلك القبلات - في بعض الاحيان - بشيء من البرود الشديد، إلا أن الطرف الآخر (أحد فرسان القبلات) يترجمها على انها أدفأ لحظة في حياتنا، ويستمر في التقبيل الممل الذي لا مفر منه حتى في هذه الأيام الشتوية التي ينتشر فيها الزكام، وبمناسبة انتقال الزكام عبر التقبيل، فقد اظهرت احدى الدراسات العلمية ان القبلة يمكن أن تنقل 15 مرضا منها الأنفلونزا والتهاب الحمى الشوكية والأمراض الجلدية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن طريقتنا في السلام، مملة وعقيمة، ولم تتغير ولم تتطور رغم ان كل شيء من حولنا قد تغير، فما ان تصافح أحدهم، الا ويمطرك بالأسئلة المكررة والمعهودة والتي لا تسمن ولا تغني (من شوق)، فتجده يكرر عليك: كيف حالك؟!.. وبعدها عساك بخير ثم (وشلونك؟!) وعساك طيب؟!..وبعد برهة من الزمن يردفها ب (بشرني عنك)، وليس هذا فحسب، بل انه بعد ان ينتهي من هذا الكلام الفارغ المكرر، يبدأ بسؤالك - بتعجب - مرة أخرى بالسؤال الشائع والشهير: (وكيف الحال؟!.)