منذ القدم ولدينا عادات وتقاليد عربية تحكمنا بطقوس معينة في السلام لا ينفع معها لا تلميح ولا تصريح، حسب العرف المتداول، عادة المصافحة والتقبيل دليل الاحترام والتقدير والمحبة، وجميع مناسبات الفرح والترح «زواج، عيد، مجالس عزاء، عيادة مريض» لا تكتمل مراسمها إلا بوابل من القبلات المبللة بالعرق وأحياناً باللعاب، المصافحة دون تقبيل لا ترتقي إلى مقام المشاعر الجياشة ولا تقوم بدور الرسول للعواطف الكامنة، وتبقى عادة التقبيل هي بصمة الجودة والأسلوب الأمثل في التعبير عن المحبة وتوثيق روابط المودة والألفة. التقبيل لدينا يعطي اللقاء صبغة وإثارة وتقمصاً عاطفياً، وكلما حمي وطيس التقبيل كلما ارتفع مؤشر أسهم المعرفة والمحبة والوفاء.. هذه المناسبات فرصة سانحة لتجمُّع الأهل والأصدقاء والأحبة، فيمطر بعضهم بعضاً قبلات (بوسا) مثنى وثلاث ورباع وقد ينتهي بهم الحال إلى العناق فينقلب حال تلك القاعات والمجالس إلى ما يشبه ساحات التفحيط، تضج جنباتها بصوت تبادل القبلات الحارة الشبيهة بفرامل سيارة مهترئة، عدد القبلات المطبوعة على الخدود هو المقياس والمؤشر للمعزة والمودة، وكلما ارتفع قدر الشخص وشأنه زادت الخدوش والاحمرار في خدوده، لينتهي به الحال إلى حكة موضعية وبثور كالطفح واحمرار في أنسجة منطقة الوجه مما يضطره لزيارة اختصاصي أمراض جلدية، وتناول جرعات من المراهم والمعقمات وغسيل الوجه وقاية من عدوى الأمراض الجلدية وتفادياً لاحتمالية انتقال فيروسات الجهاز التنفسي. آفة التقبيل هي إحدى البوابات الرئيسة لانتقال الأمراض المعدية التي بدأت في الانتشار خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت بعض الأمراض التنفسية «كإنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير وفيروس كورونا» خطراً جسيماً لا يقل فتكاً بالبشر عن الحروب الطاحنة، هذه الأمراض جعلت من فتحات الأنف والفم محطات انطلاق وتطاير لفيروساتها الفتاكة. صحيفة سبق الإلكترونية في عددها المنشور بتاريخ 13 مايو 2014م، أكدت أن وزارة الصحة السعودية تحذر من التقبيل والسلام بالأنف للحد من انتشار الإنفلونزا والتهابات الجهاز التنفسي بشكل عام. كما أكد الدكتور محمد بن صالح الحجاج «أستاذ واستشاري الأمراض الصدرية» عبر البوابة الإلكترونية لوزارة الصحة السعودية، أن التقبيل سبب رئيس في انتقال فيروسات الأمراض التنفسية، والإحصاءات أثبتت أنه في كثير من الأحيان تنتقل هذه الأمراض بسبب تقبيل الرجال بعضهم بعضاً. نحن مع تأدية الواجب الاجتماعي والإنساني في الأفراح والأتراح على حد سواء ومع مشاركة أفراد المجتمع أفراحهم وأحزانهم وجبر الخواطر المكسورة، ولكن انتشار فيروسات الجهاز التنفسي المعدية أفزع العالم، وملايين القبلات المنثورة مباشرة في الوجه حتماً تزيد من انتشار هذه الأوبئة المعدية.