التلفزيون السعودي، وتحديدًا القناة الأولى، يُعد جزءًا أصيلًا من ذاكرة الإعلام في المملكة العربية السعودية، فقد استطاعت بقيمها الراسخة وبرامجها المميزة أن تحظى بمكانة خاصة في قلوب المشاهدين منذ إنشائها وحتى يومنا هذا، فهي ليست مجرد قناة تلفزيونية، بل منصة إعلامية عريقة تعمل باحترافية يشهد لها الجميع، مستمدة قوتها من مصداقيتها وثقة المتابعين بها، وعلى مر العقود قدمت القناة الأولى نموذجًا رائدًا في الإعلام الوطني، وأصبحت مرآة تعكس تطلعات المجتمع وتاريخه وثقافته، مرّ على القناة الأولى العديد من الكوادر الإدارية والفنية والإعلامية، من مذيعين ومخرجين ومنتجين ومعدين، الذين عملوا بجد وإخلاص ليصنعوا تاريخًا مشرفًا للإعلام السعودي، وأسهموا في إنتاج برامج هادفة ومسلسلات اجتماعية تعزز الانتماء الوطني وتناقش القضايا الاجتماعية بأسلوب متزن وراقٍ، حيث كانت برامجهم تجمع بين التثقيف والترفيه وتهدف إلى بناء وعي مجتمعي قوي، مما أكسب القناة ثقة واحترام المتابعين عبر الأجيال، فإن المذيعين الذين مروا على شاشة التلفزيون السعودي تركوا بصمة لا تُنسى في ذاكرة المشاهدين، حيث تمتعوا بصوت مميز وحضور طاغٍ وأداء إعلامي رفيع، وحملوا على عاتقهم مسؤولية تقديم محتوى هادف وبنّاء يعكس قيم المجتمع السعودي، ونجحوا في تقديم نموذج مشرف للإعلام الوطني الذي يجمع بين الأصالة والحداثة، وتميزت برامجهم برسالة واضحة واحترام عميق للمشاهدين والضيوف، بعيدًا عن الإثارة السلبية أو الاستفزاز، وهو ما جعلهم يحظون بمكانة خاصة في قلوب الناس حتى بعد رحيلهم، من بين هؤلاء الأعلام الذين تركوا إرثًا إعلاميًا خالدًا: خالد البنيان، الذي توفي عام 1421ه، واشتهر بحضوره المتزن وصوته الرخيم. وعوني كنانة، الذي توفي عام 1422ه، وقدّم برامج ثقافية واجتماعية عميقة. وجميل سمان، الذي توفي عام 1432ه وكان رمزًا للإعلام السعودي ووجهًا معروفًا في الأخبار. وسعيد طمسان، الذي توفي عام 1433ه، وتميز بحسن تعامله واحترافية التقديم. وسليمان العيسى، الذي توفي في العام نفسه، وكان أحد أبرز وجوه الأخبار. وبدر كريم، الذي توفي عام 1436ه، وقدّم العديد من البرامج الوطنية. وماجد الشبل، الذي توفي عام 1437ه، وكان قامة إعلامية بصوت مميز وشخصية هادئة. وخالد اليوسف، الذي توفي عام 1438ه، وكان رمزًا للإعلام الثقافي والاجتماعي. ومحمد الرشيد، الذي توفي عام 1440ه، وكان مثالًا للهدوء والرزانة في تقديمه. وعبدالله الزيد، الذي توفي عام 1442ه، وكان شخصية إعلامية وطنية لامعة. وفهد الحمود، الذي توفي في العام نفسه، وكان أحد أبرز المذيعين المخضرمين. وغالب كامل، الذي توفي عام 1444ه، وهو من أقدم مذيعي التلفزيون، وقدم برامج عديدة ومسابقات، وتميز بصوته الرائع وشخصيته المثقفة، رحمهم الله جميعًا. من وجهة نظري، الواجب تجاه إرث هؤلاء الأعلام هو تخصيص متحف في مبنى التلفزيون يضم سيرهم وأبرز أعمالهم، ليكون نبراسًا للشباب من المذيعين الجدد، وتذكيرًا بدورهم الرائد، كما أن هيئة الإذاعة والتلفزيون تبذل جهودًا مشكورة في تكريم قدامى المذيعين، حيث قدموا عطاءً لا يُنسى للإعلام عامة والتلفزيون السعودي خاصة، ومن المهم أن نستحضر أعمالهم المميزة التي ما تزال محفورة في ذاكرة الأجيال، حيث إن استذكارهم ليس مجرد حديث عن الماضي، بل هو رسالة وفاء وتقدير لأولئك الذين صنعوا إرثًا إعلاميًا نفتخر به، ودعوة للتعلم من خبراتهم ومسيرتهم التي تمثل نموذجًا يُحتذى به للأجيال الإعلامية الجديدة. يجب على المذيعين الطموحين اليوم أن يستلهموا من تاريخ هؤلاء الرواد، خاصة السعوديين الذين تركوا إرثًا غنيًا في تقديم البرامج المتنوعة والأخبار بطريقة مهنية وإيجابية، فقد تميزوا باستخدام اللغة العربية الفصيحة مع وضوح النطق ومخارج الحروف دون تكلف أو تصنع، كما أن الابتسامة الحاضرة دائمًا كانت تضفي عليهم قبولًا خاصًا، خصوصًا في البرامج الوطنية والاجتماعية، وخارج الشاشة كان هؤلاء الإعلاميون يمتلكون شخصيات رائعة، متواضعة واجتماعية، جعلتهم محبوبين من الجميع، وهو ما يعكس روح الإعلام الأصيل الذي يحمل رسالة سامية تهدف إلى البناء لا الإثارة. من المهم أن يتعلم المذيعون الجدد من تجارب هؤلاء الرواد وألا يغفلوا عن أهمية الخبرة والتواضع والروح الإيجابية، فالاحترافية لا تكتمل إلا عندما تمتزج بالبساطة والاحترام، خاصة في التعامل مع الضيوف والجمهور، وهذا ما كان يميز جيل الرواد الذي أسس لإعلام وطني نفتخر به جميعًا، إن تخليد أسماء هؤلاء بالدعاء لهم وحفظ مكانتهم يعكس الوفاء لجيل قدم الكثير من العطاء للإعلام والمجتمع، حيث سيبقى إرثهم الإعلامي مصدر إلهام وفخر للأجيال القادمة، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته، وحفظ الأحياء منهم. فهد الحمود جميل سمان ماجد الشبل سليمان العيسى غالب كامل عبدالله الزيد خالد اليوسف بدر كريم عبدالعزيز بن سليمان الحسين *