تتعدد أشكال الخوف على الحياة والصحة، والنتيجة واحدة: أن ينأى الإنسان عن الأمراض الفتاكة. وإذا كان الفرنسيون تلقوا توجيهات من حكومتهم بالتخلي عن «التقبيل» أسلوباً معتاداً للتحية، خشية إفشاء عدوى «أنفلونزا الخنازير» التي تتربص بالعالم من أقصاه إلى أقصاه، فإن الشارع السعودي وعى الدرس بمفرده، وإن تلقت بعض فئاته نصحاً حكومياً في سبيل الوقاية. فقد استغنى عدد كبير من السعوديين عن عادة «التقبيل» في أول دوام عمل لهم أمس بعد انقضاء عطلة عيد الفطر، إذ خيم شبح فيروس «اتش1 ان 1» على حفلات المعايدة التي أقامتها الجهات الحكومية لمنسوبيها. واختلفت الأساليب للتهرب من «قبلة الوباء»، فمنهم من ادعى الإصابة بالرشح حتى يتم الاكتفاء بالسلام باليد عليه، ومنهم من صرح علناً بأنه «لن يقبّل أو يصافح أحداً»، متعللاً بأن «العيون والقلب شاهد على الود والمحبة». وتهرب آخرون من المناسبة نهائياً، غير أن هناك من تلبسهم «الخجل»، ولم يقاوموا الآخرين الذين يلوحون لهم بخدودهم لتبادل القبلات الحارة. وأقل عدد من القبلات المتعارف عليها بين السعوديين ثلاث قبلات تتوزع على الخدين، فيما ينتشر تقليد سائد في بعض المناطق، يعرف ب «حب الخشوم» بين الرجال، تتلامس فيه الأنوف مرات عدة. ويعد «التقبيل» أمراً ضرورياً في العلاقات الاجتماعية للتعبير عن الشوق والمحبة، وهو الأمر الذي حذرت منه وزارة الصحة، التي دعا مسؤولوها أكثر من مرة للتحذير من التقبيل وللاكتفاء بالمصافحة. ورفعت جهات حكومية عدة منذ الصباح الباكر لافتات تدعو إلى الابتعاد عن القُبَل كإجراء وقائي من أنفلونزا الخنازير، فيما لجأت بعض الوزارات، كالتربية والتعليم، إلى بعث رسائل SMS إلى جميع موظفيها تنصحهم بالاكتفاء بالمصافحة في حفلة المعايدة، وتنبهم إلى أن الاحتكاك المباشرة قد يكون سبباً في نقل وباء أنفلونزا الخنازير. وسادت بين الموظفين في الجهات الحكومية والأهلية، وطلاب الجامعات صباح أمس، نقاشات وتحليلات حول فيروس أنفلونزا الخنازير (اتش1 ان 1)، ومخاطره وكيفية الوقاية منه، بيد أن الأمر المحرج لكثيرين كيفية التملص من القبلات، خصوصاً إذا كانت من قريب، فهو سيغضب لو رُدت قبلته إليه، أو لو كان مديراً، فسيتخذ موقفاً لتجاهل طبع قبلة على خده. وبالنسبة إلى هؤلاء فقد باتت القبلة «شراً لا بد منه». وأوضح المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور خالد مرغلاني ل «الحياة» أن وزارته رفعت شعار «عيد من دون قُبَل»، ووضعت لافتة كتبت عليها «السلام بالمصافحة» لتفادي الإحراج، مشيراً إلى أنه تم إرسال ملفات توعوية لجميع الدوائر الحكومية تتضمن تحذيراً من التقبيل من خلال وضع لافتات بهذا المعنى. غير أنه أكد أن القرار يحتاج إلى شجاعة شخصية للامتناع عن التقبيل. بيد أن كثيراً من الموظفين في دوائر حكومية مختلفة أكدوا ل«الحياة» أن كلاً منهم قَبّل ما يزيد على 40 زميلاً في العمل! ولم يبد وكيل وزارة الصحة المساعد للطب الوقائي الدكتور زياد ميمش تخوفاً من ارتفاع عدد الإصابات بالمرض نتيجة التقبيل في مناسبة العيد، مؤكداً أن حجم الإصابات في تناقص مستمر.