لا تكتمل بنية الأخلاق الإنسانية إلا بضمير كامل ولا ينبثق نوره إلا بنداءٍ من الداخل، أن أعمل عملًا صالحًا لا فاسدًا. وشريطة ذلك أن تعرف ما هو الفساد لا أن تتعاطاه، بل إن تكتشف مكامن غموضه في غريزتك، فهي رياضة نفسٍ وإيمانٌ عميق. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). هو إيمان قبل كل شيء إدراك الوجود أن له فكرة هي صلب الإيمان في تحقيق العدالة الاجتماعية ولا تتحقق من دون ميزان مع النفس، أن تخرج من (الأنا) الفاسدة إلى (أنا) وجودية قائمة بذاتها مدركة ميتافيزيقيتها غير مسلوبة الإرادة لها مركزيتها وهيولتها. اكتفاء ذاتي إنساني في توزيع الأدوار لكل إنسانٍ طبيعته الخاصة وقدرته على أشياء محددة في أخذها أو العمل في شأنها أن نعمل كما يعمل الصباح في وجوده الطبيعي تحت ظلال الشمس أو الليل في صحبة القمر، هي أجواء فلكية علمت الإنسان ما لم يعلم، لألأ نورانية في أحداقِ عيونها صورة رمزية أو كتابٌ مفتوح نقرأ علامات وجودها الكوني في كل يوم حكاية تسجلها اللحظات والثواني شيء من عندنا وأكثره من دورة الأفلاك. رحلة بين الشروق والغروب بين الأنا الكونية وصورتها النوعية، التي نقرأ منها أنفسنا، نكتشف سجلنا وماضينا هل حققنا العدالة؟! أم اجتنبناها وانزوينا إلى زاوية ضيقة. ها هو ذا اليوم الذي تقرأ فيه صحيفتك عندما تقف مع لحظتك أنت لا أحد معك؛ سوى هذه اللحظة أنت والوقت ذاتك مع الزمان، هي لحظتك عندما تنحصر في فُلكٍ ضيق أشبه بالانطواء؛ لا أقول قدرك وحسب، وإنما هي الكينونة التي شاءت أن تكون معك في نفس اللحظة، هذه اللحظة ليست دقيقة أو نصف ساعة، وإنما هي خلوة مع كلمتك الأولى التي تكونتَ منها أول منطقٍ سلكته، رياضة النفس تخرجك من ذاتك إلى ذاتك تظهر كشعاع الشمس يقدح في كهفٍ مظلم يبسط ردائه في زواياهُ العتيقة. ولأن المطلب صعب المنال في تحقيق عدالةٍ صادقة؛ لها صوتها الأزلي الواضح لا الصامت المبهم الذي ما أن يسمح لنفسه إعطاء بصيص من القسط سرعان ما أن يفئ ينطفئ في شنآنه. وهذا هو الجرم الذي تعاني منه الأمم البشرية بعضها في رخاء تام، وأخرى بين أضلاع المثلث المجهول؛ تعيش بين لحظة الآمال وأخرى تنتظر الخلاص، وليس بين الفرقدين انتظار. وفي تفاصيلٍ صغيرة يعلو صوت اليقين منتظرًا الاستدامة والغلبة على النشاز؛ يمتشق حسامه نحو وسطية عريضة واسعة النطاق تشمل أكثر لبني الإنسان؛ هي ربما تعيش في عالمٍ آخر.