تحدثت تحدثتُ في المقال السابق عن بعض الجوانب والأحكام الخاصة بوقفِ الخصومة، ونستأنفُ الحديث اليوم عن باقي عوارض الخصومة ونبدؤها بالحديث عن انقطاع الخصومة، والتي تعني عدم السير في الدعوى لقيام سبب من أسباب الانقطاع التي نص عليها النظام. وقد بينت المادة (88/1) من نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/1) وتاريخ 22/1/1435ه الحالات المسبِبة لانقطاع الخصومة، وهي وفاةُ أحد الخصوم، أو فقدُ أهلية الخصومة، أو زوالُ الصفة النيابية عمن يباشر الخصومة. وفي هذا الصدد نصت هذه المادة على أنه: «ما لم تكن الدعوى قد تهيأت للحكم في موضوعها، فإن سير الخصومة ينقطع بوفاة أحد الخصوم، أو بفقده أهلية الخصومة، أو بزوال صفة النيابة عمن كان يباشر الخصومة عنه، على أن سير الخصومة لا ينقطع بانتهاء الوكالة، وللمحكمة أن تمنح أجلا مناسبا للموكل إذا كان قد بادر فعين وكيلا جديدا خلال الخمسة عشر يوما من انتهاء الوكالة الأولى، أما إذا تهيأت الدعوى للحكم فلا تنقطع الخصومة، وعلى المحكمة الحكم فيها». ويتضح من نصِ هذه المادة أن الدعوى طالما لم تتهيأ للحكم في موضوعها، فإن وفاة أحدِ طرفي الدعوى سواء أكان المدعي أو المدعى عليه يترتب على إثره انقطاع الخصومة، لأنه من الطبيعي ومن البديهيات أن الخصومة لا تنعقد إلا بحق أشخاص ما زالوا على قيد الحياة، لذا تنقطع الخصومة إلى أن يخلُف المتوفى ورثته في الخصومة بعد إعلامهم بها. ويترتب الأثرُ ذاته (الانقطاع) على فقدان الأهلية الإجرائية التي يلزم توافرها في جميع مراحل سير الخصومة، وكذلك في حال زوال وانقضاء صفة من كان يباشر الخصومة كالوليِ والوصيِ والقيِم والوكيل. وعلى النقيض من ذلك، لو كانت الدعوى مهيأة وجاهزة للحكم فيها، فإن الخصومة في هذه الحالة لا تنقطع ويجب على المحكمة أن تصدر الحكم فيها. وقد بينت المادة (89) من نظام المرافعات الشرعية متى تكون الدعوى مهيأة للحكم في موضوعها، حيث نصت على أنه: «تعد الدعوى مهيأة للحكم في موضوعها إذا أبدى الخصوم أقوالهم وطلباتهم الختامية في جلسة المرافعة قبل وجود سبب الانقطاع». وجدير بالذكر أنه في حال وقعت الخصومة بين أكثر من طرفين وتحقق أيُ سببٍ من أسباب الانقطاع المذكورة أعلاه بأحدهم، ففي هذه الحالة تستمرُ الدعوى في حقِ الباقين طالما لم يكن موضوعُ الدعوى غير قابل للتجزئة. وفي حال توافر وتحقق أي سبب من أسباب انقطاع الخصومة فإنه يترتب على هذا الانقطاع بعض الآثار النظامية، كوقف جميع مواعيد المرافعات التي كانت جارية في حقِ الخصوم، طالما وُجد سبب للانقطاع وظل قائما ولم يزُل، وكذلك بطلان جميع الإجراءات التي تمت أثناء الانقطاع، وهذا البطلان هو بطلان نسبي وليس بطلانا مطلقا. ومتى انتهى وزال السبب المؤدي إلى انقطاع الخصومة فللخصوم الحقُ في معاودة السير في إجراءات الدعوى، بناء على طلب أحدهم، وفي هذا الخصوص نصت المادة (91) من النظام على أنه: «يستأنفُ السير في الدعوى بناء على طلب أحدِ الخصوم بتكليفٍ يبلغ حسب الأصول إلى من يخلف من قام به سبب الانقطاع، أو إلى الخصم الآخر، وكذلك يستأنف السير في الدعوى إذا حضر الجلسة المحددة للنظر فيها خلف من قام به سبب الانقطاع». وإلى جانب وقف وانقطاع الخصومة، فهناك عارض آخر من عوارض الخصومة وهو ترك الخصومة، ويعني تنازل المدعي بإرادته المنفردة عن دعواه القائمة أمام المحكمة مع احتفاظه بالحقِ المدعى به، بحيث يجوز له تجديد المطالبة به في أيِ وقت، ويجب على المدعى عليه أن يقبله طالما أبدى الأخير دفوعه، ويجب أن يتم الترك وفقا للإجراءات التي نصت عليها المادة (92) من نظام المرافعات الشرعية. إذ نصت هذه المادة على أنه: «يجوز للمدعي ترك الخصومة بتبليغ يوجِهه إلى خصمه، أو تقريرٍ منه لدى الكاتب المختصِ في المحكمة، أو بيانٍ صريحٍ في مذكِرة موقعٍ عليها منه، أو من وكيله، مع اطلاع خصمه عليها، أو بإبداء الطلب شفهيا في الجلسة وإثباته في ضبطها، ولا يكون الترك بعد إبداء المدعى عليه دفوعه إلا بقبوله». وهناك آثار مترتبة على ترك الخصومة، وهي إلغاء وزوال كافة إجراءات الخصومة منذ بدايتها وحتى الإجراء الأخير فيها، ويشمل ذلك صحيفة الدعوى، بحيث ينظر إلى هذه الإجراءات كأن لم تكن، مع التأكيد على أن الحق المدعى به لا يطاله أيُ مساس في حال تركِ الخصومة.