تقضي القاعدة العامة في أنظمة المرافعات أن افتتاح الخصومة يترتب على إثره سير إجراءات الدعوى سيرا عاديا وطبيعيا وفقا للمألوف من الأمور لحين الفصل فيها بحكم منهٍ لها، ولكن استثناء من ذلك فهناك عوارض للخصومة قد تطرأ أثناء السير في الدعوى، تؤدي إلى عدم السير فيها أو انقضائها بغير حكم في موضوعها، وذلك وفق شروط وضوابط محددة. وقد تناول نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/1) وتاريخ 22/1/1435ه في الباب السابع منه عوارض الخصومة، وتناول وقف الخصومة وانقطاعها وتركها. ويعني وقف الخصومة، تعليق السير في الدعوى خلال مدة زمنية محددة، بناء على اتفاق طرفي الخصومة أو النزاع (المدعي والمدعى عليه) أو بناء على حكم من القاضي، بحيث تظل الدعوى قائمة رغم وقفها ولكنها تدخل في حالة من الركود يتعطل السير في الدعوى على إثرها. وقد أجازت المادة (86) من نظام المرافعات الشرعية اتفاق الخصوم على عدم السير في الدعوى إلى أجل معلوم، وهو ما يُعرف بالوقف الاتِفاقي، وفي هذا الصدد نصت على أنه: «يجوز وقف الدعوى بناء على اتفاق الخصوم على عدم السير فيها مدة لا تزيد على ستة أشهر من تاريخ إقرار المحكمة اتفاقهم، ولا يكون لهذا الوقف أثر في أي موعد حتمي قد حدده النظام لإجراء ما. وإن طلب أحد الخصوم السير في الدعوى قبل انتهاء المدة المتفق عليها، فله ذلك بموافقة خصمه. وإذا لم يعاود الخصوم السير في الدعوى في الأيام العشرة التالية لنهاية الأجل، عُد المدعي تاركا دعواه». ويتضح من المادة أعلاه أن المنظم يقرُ ويجيز الوقف الاتفاقي للخصومة - إن قبلت المحكمة ذلك - نزولا على رغبة وإرادة الأطراف المتنازعة التي ربما تنصرف نحو تسوية النزاع الناشب بينهم بطريق الصلح على سبيل المثال بديلا عن التقاضي. ولكن إقرار المنظِم لهذا النوع من أنواع وقف الخصومة جاء مشروطا بموافقة واتفاق جميع أطراف الدعوى على عدم السير فيها - إذا كان النزاع بين أكثر من طرفين - إلى جانب ألا تتجاوز مدة الوقف ستة أشهر يتم البدء في احتسابها من تاريخ إقرارِ المحكمة لهذا الاتفاق. أما إذا رغب أحد الأطراف في مواصلة السير في الدعوى واستكمال إجراءاتها قبل انتهاء مدة الوقف المنصوص عليها (ستة أشهر) فيلزم في هذه الحالة موافقة باقي الأطراف مجتمعين حتى يمكن للمحكمة الاستجابة لهذا الطلب وتلبيته، أما إذا رفض أحد الأطراف ذلك، فإن المحكمة تمتنع في هذه الحالة عن قبول الطلب المقدم إليها بالسير في إجراءات الدعوى، ولا يكون أمام المتقدِم بالطلب سوى الانتظار لحين انتهاء الأجل المقرر. وفي حال انتهاء الأجل أو المدة المقررة لوقف الخصومة، ومُضي مدة زمنية أخرى لا تتجاوز عشرة أيام (أي مضي ستة أشهر وعشرة أيام) ولم يعاود الخصوم السير في الدعوى ومطالبة المحكمة باستمرار إجراءات الدعوى، فإن المدعي في هذه الحالة يعدُ تاركا لدعواه، ويترتب على إثر ذلك شطب الدعوى طالما لم يحضر المدعى عليه ويطالب المحكمة بعدم شطبها. وهناك نوع آخر لوقف الخصومة نصت عليه المادة (87) من نظام المرافعات الشرعية وهو الوقف القضائي، حيث نصت هذه المادة على أنه: «إذا رأت المحكمة تعليق حكمها في موضوع الدعوى على الفصل في مسألة أخرى يتوقف عليها الحكم، فتأمر بوقف الدعوى، وبمجرد زوال سبب التوقف يكون للخصوم طلب السير في الدعوى». ويُفهم من هذه المادة أن الوقف القضائي للخصومة يتم بناء على قرار المحكمة من تلقاء نفسها، إذا رأت ضرورة لوقف السير في الدعوى المنظورة مؤقتا وتعليق إصدار حكمها لحين الفصل في مسألة أخرى بقضية أخرى لم يصدر بشأنها حكم. وتُعزى أسباب الوقف هنا إلى وجود قضية أخرى مرتبطة بالقضية المنظورة والتي تم تعليق السير فيها، سواء أكانت القضية المرتبطة بها موجودة لدى الدائرة نفسها أم لدى غيرها، وبالتالي فبمجرد الفصل والبت فيها وإصدار الحكم، فإن الأثر المترتِب على ذلك هو أن يقوم الخصوم بمعاودة السير في الدعوى بعد تعليقها المؤقت؛ نظرا لزوال سبب وقف الخصومة، وبناء عليه تقوم المحكمة بالسير في إجراءات الدعوى وإصدار حكمها. وسوف نواصل الحديث في المقال القادم - إن شاء الله تعالى - حول بعض الجوانب والأحكام الخاصة بانقطاع الخصومة وتركها.