لا يكفي إقرار النظام للحق بل لا بد أن تكون للشخص طريقة تمكنه من حماية حقه، كما أن وجود الحق لا يكتمل إلا إذا كان لصاحبه سلطة الالتجاء إلى المحاكم للدفاع عنه، وهذا يكون عن طريق إقامة دعوى قضائية للمطالبة به، فالدعوى القضائية هي الوسيلة لحماية الحق، ولإقامة دعوى قضائية لا بد من توافر العديد من الشروط، سوف أقتصر بالحديث في هذا المقال عن شرطين من أهم الشروط الواجب توافرها لإقامة الدعوى القضائية أمام مختلف أنواع المحاكم، وهما: المصلحة والصفة. 1- المصلحة كشرط لقبول الدعوى: بدء الأمر يمكن القول إنه "لا دعوى بدون مصلحة"، أي لا يمكن إقامة الدعوى إلا إذا كان للمدعي (مقيم الدعوى) مصلحة في إقامة الدعوى، فالمدعي سواء كان شخصا طبيعياً أو معنوياً خاصاً أو عاماً يجب أن تكون له المصلحة في إقامة الدعوى، وإذا تم الاعتداء على حقه فإنه يلجأ للقضاء لإقامة الدعوى، فالمصلحة يجب أن تستند إلى الحق موضوع الدعوى في المطالبة بالحق أو المركز النظامي. ويلاحظ أن المصلحة يجب أن تكون مصلحة شخصية ومباشرة، أي يجب أن يكون رافع الدعوى هو صاحب الحق أو من يقوم مقامه كالوكيل أو الولي، فليس للشخص أن يطالب إلا بحقه ما لم يكن وكيلاً أو ممثلاً لغيره، ولا يجوز للشخص أن يرفع دعوى نيابة عن المجتمع؛ لأن رفع الدعوى نيابة عن المجتمع حق للدولة ممثلة في هيئة التحقيق والادعاء العام بحسب نص المادة الرابعة من نظام المرافعات الشرعية التي نصت على (لا ترفع أي دعوى حسبة إلا عن طريق المدعي العام). ويلاحظ أن هناك استثناءات يمكن فيها قبول الدعوى مع عدم توافر المصلحة وذلك: 1. إذا كان الغرض من الدعوى الاحتياط لرفع ضرر محدق. 2. إذا كان الغرض من الدعوى حقا يخشى زوال دليله عند النزاع فيه. والمدعى عليه (المقامة ضده الدعوى) يستطيع الدفع بعدم توافر المصلحة في الدعوى في أي مرحلة كانت فيها الدعوى، فالدفع بعدم قبول الدعوى لعدم توافر المصلحة في إقامة الدعوى هو دفع موضوعي يجوز إبداؤه في أية حال تكون عليها الدعوى، ويمكن للمحكمة من تلقاء نفسها الحكم بعدم قبول الدعوى لانعدام توافر شرط الصفة في الدعوى، وفى ذلك نشير إلى نص المادة (76) من نظام المرافعات الشرعية التي تنص على أن (الدفع بعدم اختصاص المحكمة لانتفاء ولايتها أو بسبب نوع الدعوى أو قيمتها، أو الدفع بعدم قبول الدعوى لانعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة أو لأي سبب آخر، وكذا الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها؛ يجوز الدفع به في أي مرحلة تكون فيها الدعوى وتحكم به المحكمة من تلقاء نفسها). 2- الصفة كشرط لقبول الدعوى: يلزم لقبول الدعوى توافر شرط الصفة فيما يتعلق بأشخاص أطراف أي دعوى، بمعنى أنه يجب أن تكون للمدعي صفة في المطالبة بما يدعيه وأن تكون له صفة في توجيه الدعوى أو الطلب ضد المدعى عليه. ويلاحظ أنه يلزم توافر صفة للمدعى عليه في الدعوى لقبولها والاستمرار في موضوعها، حيث لا يمكن توجيه الدعوى القضائية ضد شخص ليس له ثمة علاقة أو صفة بالحق موضوع الدعوى، ويعتبر ذلك شرطا ضروريا لقبول الدعوى والاستمرار في موضوعها وانعدام تلك الصفة يترتب عليه عدم قبول الدعوى. إذا تخلت الصفة عن المدعي حال رفع الدعوى ثم اكتسب تلك الصفة أثناء سير الخصومة، فإنه متى اكتسب المدعي صفته أثناء سيرالدعوى مراعياً المواعيد والإجراءات المنصوص عليها في الأنظمة واللوائح، فإن العيب الذي شاب صفته عند رفعه للدعوى يكون قد زال وتصبح الخصومة بعد زوال هذا العيب منتجة لآثارها من بدايتها. وإذا زالت صفة المدعي بعد رفع الدعوى فإن ذلك ليس من شأنه أن يؤدي إلى عدم قبولها بل يترتب عليه انقطاع سير الخصومة إذا لم تكن الدعوى قد تهيأت للحكم في موضوعها. ويجب الأخذ في الاعتبار أن هناك أحكاما معينة بالصفة يجب تحققها حال إقامة الدعوى كما في حال الصفة في دعاوى التصفية وفي دعوى الشفعة. والمدعى عليه يستطيع الدفع بعدم توافر الصفة في الدعوى في أي مرحلة كانت فيها الدعوى، فالدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة أو على غير ذي صفة هو دفع موضوعي يجوز إبداؤه في أية حال تكون عليها الدعوى، ويمكن للمحكمة من تلقاء نفسها الحكم بعدم قبول الدعوى لانعدام توافر شرط الصفة في الدعوى، وفي ذلك نعود إلى نص المادة (76) من نظام المرافعات الشرعية سالف الذكر. وفي نهاية هذا المقال، آمل أن أكون قد قدمت مختصراً بسيطاً عن أهم الشروط الواجب توافرها بالدعوى، وهما المصلحة والصفة لقبول الدعوى القضائية، وسوف استكمل معكم بإذن الله تعالى باقي شروط قبول الدعوى في المقالات القادمة.