عندما تعطي بلا حدود وبلا مقابل؛ يكون العطاء حقيقيا وصادقا ومخلصا، لا سيما في تمثيل الوطن ورفع اسمه وعلمه عاليا.. هكذا كان رواد كرة القدم السعودية في فترة السبعينيات، كانوا يلعبون من أجل الوطن والقميص الأخضر، وكانوا يلعبون من أجل المتعة ومن باب الهواية، ولم يكن همهم سوى الفوز وتقديم الأداء الرفيع. تعتبر حقبة السبعينيات بدايات المرحلة الذهبية في تاريخ كرة القدم السعودي، وليس على المستوى الرياضي فحسب، بل على المستوى الاجتماعي والثقافي، لتظل ذكرى رواد تلك الحقبة حاضرة إلى يومنا هذا، وما تكريمنا لهم إلا زيادة في التقدير والعرفان لعطاءاتهم الكبيرة. لذلك، قامت جائزة (عطاء ووفاء) في دورتها الثانية، بتكريم هؤلاء الرواد، الذين ساهموا في تطوير الكرة السعودية؛ تقديرا وعرفانا لدورهم الكبير في دفع حركة تطوير هذه اللعبة، والإسهام الواضح في مسيرة الرياضة السعودية والفكر الاجتماعي والثقافي للبلاد. لقد كانت كرة القدم في حقبة السبعينيات تمارس بشكل واسع في الساحات المفتوحة، بكافة المدن والقرى والبلدات في المملكة، شكلت بذلك نمطا جديدا في تاريخ الكرة السعودية، والتي أثرت بشكل كبير على المجتمع، حيث باتت هذه اللعبة جزءا مهما من ثقافة المواطنين. فقد كان المجتمع المحلي ينظرون إلى لاعب الكرة كفنان مؤثر؛ بسبب مهاراته ومواهبه المميزة في طريقة اللعب، وهنا نذكر على سبيل المثال لا الحصر صالح خليفة، وعيسى حمدان، وسعود جاسم، وعثمان مرزوق، وجاسم القرطاس. لقد صعد أولئك اللاعبون وغيرهم من اللعب في الساحات المفتوحة إلى الأندية الرسمية، ومن ثم إلى المنتخب الوطني، حيث مثلوه في محافل ومنافسات إقليمية ودولية مختلفة، واستطاعوا بذلك تسلق سلم المجد الكروي، ليحققوا شهرة رياضية وضعت لهم مكانة جيدة في أوساط المجتمع. ولم تزل مسيرتهم الرياضية حاضرة بين جماهيرهم الذين عاصروهم، وكذلك أنديتهم وفرقهم في كافة أنحاء المملكة، فشكلوا بعطائهم المميز توجها جديدا في تطور ثقافة كرة القدم السعودية، حيث باتوا قدوة ومثالا للعديد من شباب الأجيال اللاحقة بعد السبعينيات. ولعل أكثر ما يميز أولئك الرواد من اللاعبين أنهم مارسوا كرة القدم بدون مقابل مادي، وذلك لحبهم لهذه الرياضة، وإخلاصهم لنواديهم، ناهيك عن إخلاصهم للوطن، في وقت شهدت فيه الكرة السعودية أول فترة انتقالية لها بعد أن باتت لعبة شعبية منتشرة. كانت هذه الفترة الانتقالية بعد انطلاق دورة كأس الخليج العربي (1970م)، حيث استمرت مسيرة كرة القدم السعودية قوية عموما خلال الثلاثين عاما التالية، وانتهجت خلالها وبصورة تدريجية مسارا جديدا بدأ مثمرا في معظم مشاركاتها. ربما يكون جيل السبعينيات أقل حظا من الأجيال اللاحقة في احترافية كرة القدم، فكانوا يكافحون بلا فرص حقيقية في الاحتراف الرياضي، لكنهم قدموا لنا شكلا جميلا عن التضحية والمثابرة؛ من أجل رفع مكانة الوطن والكرة السعودية، حيث يعتبرون الدافع الرئيسي لتطور الرياضة بشكل عام في المملكة. لذلك، كان تكريمهم بجائزة (عطاء ووفاء) حقا اجتماعيا لرواد كرة القدم في تلك الحقبة، التي تعتبر من الحقب المهمة في تاريخنا الرياضي.. هذه الحقبة الملهمة للأجيال الجديدة يجب أن يُكتب عنها وترسخ في العقول الباحثة عن التطوير والتنمية الرياضية والاجتماعية والثقافية.