بعد سنوات سبع عجاف، أصابت المنطقة العربية والشرق الأوسط سياسيا وأمنيا وأصابت العالم كله بنتاجها، ها هي بعض الإرهاصات تعيد تشكيل السوق العربي من جديد، على المستوى السياسي تنظر تقارير النقد الدولية على أن المنطقة لا تزال متزعزعة أمنيا، ولا تزال تحتاج لوقت لتجد الاستقرار طريقا، والاستقرار هو عنصر التنمية في كل حالاته. سبع سنوات أعادت تشكيل المنطقة من جذورها وهذه السنوات قادرة على أن تعيد تشكيل الاسواق العربية بقدرة وخصوبة وامكانيات كل سوق على حدة، فالتاريخ يؤكد لنا أن أكثر الدول دمارا أكثرها قدرة على النهوض، لذا قد تبرز لنا أسواق لم يكن لها نشاط في السابق. ففي الوقت الذي يطمئن تقرير (الراصد المالي) الصادر في أكتوبر الماضي لصندوق النقد الدولي الدول المصدرة للنفط ويثني على سياساتها التقشفية الكبيرة لتحقيق توازن بين النفقات والإيرادات، إذ يتوقع أن يهبط عجز ماليتها العامة -الدول النفطية- بنحو 150 مليار دولار أمريكي بين عامي 2016 و2018 -على أن يكون التحسن في العام القادم مستمدا من الرصيد غير النفطي في الأساس-. أما البلدان المستوردة للنفط، فتوقع لها بقاء عجز المالية العامة مستقرا بشكل عام كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في 2017، ثم يبدأ الضبط المالي بالتدريج على المدى المتوسط. إلا أن الأمر لا يتوقف على خطط التقشف والتنمية حين يتم الحديث عن المستقبل في الاقتصاد، فالتقرير يذكر أنه «تشوب آفاق المالية العامة العالمية أجواء من عدم اليقين بشأن السياسات المستقبلية والمخاطر التي تهدد الاقتصاد الكلي». وفي تقرير (آفاق الاقتصاد العالمي) للصندوق يؤكد على أن «التعافي غير مكتمل، فبينما تزداد قوة الآفاق في السيناريو الأساسي، يظل النمو ضعيفا في بلدان عديدة، والتضخم دون مستواه المستهدف في معظم الاقتصادات المتقدمة» ويشير التقرير إلى أن الضرر الكبير يقع على البلدان المصدرة للسلع الأولية بوجه خاص بالذات المصدرة للوقود، مع استمرار الجهود التي تبذلها للتكيف مع التراجع الحاد في الإيرادات الأجنبية. إلا أنه طمأن أن المخاطر تتسم بالتوازن إلى حد كبير على المدى القصير، لكن الكفة السلبية لا تزال هي الأرجح على المدى المتوسط. «لذلك فإن التحسن الدوري الجدير بالترحيب في النشاط الاقتصادي العالمي يتيح فرصة مثالية لمعالجة التحديات البارزة على مستوى السياسات – وهي زيادة الناتج الممكن مع ضمان توزيع ثماره على نطاق واسع، وبناء الصلابة اللازمة في مواجهة مخاطر التطورات السلبية. وثمة حاجة أيضا إلى تجديد الجهود متعددة الأطراف بغية التصدي للتحديات المشتركة التي يفرضها الاقتصاد العالمي المتكامل». من الجانب الآخر فإن تقارير الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي وفي تقريره السنوي يذكر أنه وخلال العام المنصرم قدم تسعة قروض بمبالغ احتسبها بالدينار الكويتي بلغت (445 مليون د.ك)، استفادت منها ست دول عربية، وأسهمت في تمويل تسعة مشاريع، منها ثمانية مشاريع جديدة ومشروع سابق التمويل. وقدرت التكاليف الإجمالية لتلك المشاريع بحوالي 1.9 مليار د.ك. وقُدرت نسبة مساهمة القروض المقدمة إلى إجمالي تكاليف تلك المشاريع بحوالي 23.5 بالمائة وحظيت مشاريع قطاع الطاقة والكهرباء بالمركز الأول في قائمة المشاريع المعتمدة، إذ بلغت نسبة القروض المقدمة لها حوالي 28.1 بالمائة من إجمالي القروض المقدمة، تليها مشاريع قطاع المياه والصرف الصحي ومشاريع قطاع الزراعة والري والتنمية الريفية بنسبة حوالي 24.7 بالمائة لكل منهما، ثم مشاريع قطاع النقل والاتصالات بنسبة حوالي 22.5 بالمائة. كما تم خلال عام 2016 إعلان نفاذ عشر اتفاقيات لتمويل قروض بمبلغ 329 مليون د.ك.، استفادت منها سبع دول عربية، وشملت مشاريع في قطاعات النقل والاتصالات، والطاقة والكهرباء، والمياه والصرف الصحي، والخدمات الاجتماعية، والقطاعات الأخرى. كما حظيت قطاعات البنى الأساسية بنحو 75.3 بالمائة من إجمالي مبلغ القروض المقدمة خلال عام 2016، وذلك استجابة للأولويات المحددة في خطط وبرامج الدول الأعضاء التي ركزت على تطوير هذه القطاعات وتعزيز قدراتها، وتهيئة المناخ لجذب وتشجيع الاستثمار وتوفير فرص عمل جديدة. كما تم تخصيص ثلاثة قروض لمشروعات الطاقة والكهرباء، بمبلغ إجمالي 125 مليون د.ك، شكلت حوالي 28.1 بالمائة من اجمالي مبلغ القروض المقدمة خلال العام، واستهدفت تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء في مصر من خلال إنشاء محطة توليد، وفي موريتانيا من خلال انشاء مزرعة للرياح، بالإضافة إلى تعزيز الربط الكهربائي بين موريتانيا والسنغال. وتم تخصيص قرضين لمشروعين للمياه والصرف الصحي بمبلغ إجمالي 110 ملايين د.ك، شكلت حوالي 24.7 بالمائة من اجمالي مبلغ القروض المقدمة خلال العام، الأول لإنشاء سدين ومنشآت نقل المياه المرتبطة بهما في تونس، والثاني لإنشاء خطين لنقل المياه المحلاة في عمان. وتم كذلك تخصيص قرضين لمشروعين للنقل بمبلغ إجمالي 100 مليون د.ك، شكلت حوالي 22.5 بالمائة من الإجمالي، الأول لاستكمال انجاز مشروع القطار فائق السرعة طنجة – الدار البيضاء في المغرب، والثاني لتطوير وتوسعة الطرق الرئيسية في عمان. وتضمنت قروض الصندوق العربي المقدمة خلال العام قرضين بمبلغ اجمالي 110 ملايين د.ك، شكلت حوالي 24.7 بالمائة من الإجمالي لمشروعين للزراعة والري والتنمية الريفية، الأول لإنجاز المرحلة الأولى من مشروع ري الرويصرص في السودان، والثاني لتوفير المياه وتطوير منظومة الزراعة في شبه جزيرة سيناء في مصر. هذه الحركة غير المحسوسة في بلداننا العربية والتي تركز على البنية التحتية والتنمية ستكون قاعدة النماء الحقيقية لاسواق لا تزال انشطتها غير واضحة والمستقبل كفيل بكشف تلك الارهاصات.