ليس هذا عنوانا لقصة خيالية، بل هي حال كثير من الناس في إهدار موارد حياتهم الأساسية، تلك التي نطلق عليها العملات الذهبية وهي: الوقت والمال والمعرفة والصحة، وكل منا يمتلك في حياته قدرا ما من هذه العملات، لكن كثيرا منا لم يستثمرها في إنجاز أعمال ذات نفع له ولغيره، بل بددها في متع رخيصة أو مغامرات سفيهة.. وهذا من تسميه لغتنا الفصحى (السبهلل).. فالسبهلل معناها الإنسان الفارغ، وقد ورت الكلمة في أثر ينسب إلى عمر رضي الله عنه حيث قال «إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا لا في عمل دُنيا ولا في عمل آخرة». وساقها الشيخ ابن عثيمين في معنى قريب من ذلك حيث قال في كتابه الضياء اللامع: (إن من الحكمة أن من ابتدأ بعمل وارتاح له فليستمر عليه، فمن بورك له في شيء فليلزمه، وبعض الناس يبدأ الأعمال ولا يتممها، فيمضي عليه الوقت سبهللا من غير فائدة). وعاقبة (السبهللة) خسارة لا تعوض، فصاحبها مغبون، وقد أشار الحديث إلى هذا الغبن في عُملتين منها الصحة والوقت: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) رواه البخاري. وبالتأكيد لا يرغب أحدنا أن يكون سبهللا، وهذه يقتضي أن نتفقد طريقتنا في استثمار هذه العملات الأربع، ونوجه لأنفسنا هذا السؤال: ماذا نفعل بما نملكه من رصيدنا منها؟ سؤال يحسن أن نطرحه من حين لآخر، ولا سيما في هذا الوقت وقد رحل من أعمارنا عام، واستقبلنا مطلع عام جديد، نعم السؤال الآن، قبل أن يصبح مساءلة في يوم لا نملك فرصة لتدارك ما أضعناه، كما جاء في بيان النبوة (لا تزُولُ قدما عبدٍ يوم القِيامةِ حتى يُسأل عن عُمُرِهِ فِيما أفناهُ وعن عِلمِهِ فِيم فعل وعن مالِهِ مِن أين اكتسبهُ وفِيم أنفقهُ وعن جِسمِهِ فِيم أبلاهُ) رواه الترمذي. والعمر هو رصيدك من الوقت، كذلك المال والعلم، والجسم إشارة إلى رصيدك من الصحة. وليس السؤال (كم) تمتلك من هذه العملات، فكل منا يمتلك حظوظا متفاوتة منها، لكن المحك هو (كيف) تستثمر نصيبك من هذه العملات في مشاريع الخير والنماء، وهو اختبار حقيقي للبشر لطريقة استخدامهم للموارد التي آتاهم الله إياها: {وهُو الذِي جعلكُم خلائِف الأرضِ ورفع بعضكُم فوق بعضٍ درجاتٍ لِيبلُوكُم فِي ما آتاكُم} سورة الأنعام: (165). وإذا نظرنا بعمق إلى هذه الموارد الأربعة لوجدنا أنها تشكل عناصر المعادلة الحضارية التي يستطيع كل منا أن يشارك بنصيبه منها في بناء النهضة الحضارية لأمته، وهو معنى أستخلصه من أفكار مالك بن نبي في كتابه (شروط النهضة)، فالمعادلة الحضارية هي مجموع المعرفة والمال وجهد الأشخاص الأصحاء على الزمن المتاح لهم: المعادلة الحضارية = الأفكار + الأشخاص + الأشياء الزمن عندما نستشعر مسؤولياتنا عما نملكه من هذه العملات الذهبية، فسوف ننجح في توجيهها نحو الاستثمار الأمثل، ونقول وداعا للسبهللة.