إن تعاقب الشهور والأعوام على العبد، قد يكون نعمة له أو نقمة عليه، فطول العمر ليس نعمة بحد ذاته، فإذا طال عمر العبد ولم يعمره بالخير فإنما هو يستكثر من حجج الله تعالى عليه، أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم عن ابي بكرة رضي الله تعالى عنه انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله). إن هذا العام الذي ولى مدبراً قد ذهب ظرفه وبقي مظروفه بما أودع فيه العباد من الأعمال، وسيرى كل عامل عمله (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيدا..) (آل عمران : 30). سيرى كل عامل عمله (وما ربك بظلام للعبيد) (فصلت : 46). سيسأل العبد عن جميع شؤونه في الدنيا، وربه أعلم، ليكون الانسان على نفسه بصيرة، اخرج الامام الترمذي عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند الله حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من اين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟). وفي رواية للترمذي أيضاً عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه ما فعل فيه؟ وعن ماله من اين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟). فالحذر الحذر من التفريط والتسويف. فيا من ضيع عمره فيما لا ينفع، ألم تعلم انك تستكثر الأثقال على نفسك وتزيد حجة الله عليك، فكم مر عليك من الأعوام وأنت تتمتع بثوب الصحة والعافية ومع ذا وذاك لم تؤد زكاة صحتك وعافيتك، بل أصبحت مغبوناً فيهما لما ضاع عليك من الأعمال دون استثمار وتحصيل للاخرة. عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ) (أخرجه الامام البخاري). ولقد حرص الاسلام على توثيق الروابط والتقارب بين المسلمين، وأكد أهميتها، بل بلغ حرص الاسلام على أهله أن جعلهم كالجسد الواحد يألمون سوياً ويأملون سوياً، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المؤمنون كرجل واحد ان اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وعن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك أصابعه) (أخرجه البخاري). وقد تضمن هذا النص صفات بليغة في وحدة المسلم مع اخوانه، فالمؤمنون كالبنيان الواحد المجتمع، ولما كان البنيان قد يكون متداعياً أو متساقطاً، جاء الوصف الآخر بأن ذلك البنيان يشد بعضه بعضا، فيكون كل مسلم يمثل لبنة في البيت الإسلامي الكبير.. فما أحرانا أن نكون يداً واحدة ونحن نستقبل هذا العام.. بل مع كل عام. استكثروا من الأعمال الصالحة ولا يحقرن أحدكم من المعروف شيئاً، فرب عمل يسير أورث صاحبه أجراً عظيما، فليكن بعضنا عضداً لبعض في التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ليتفقد كل منا نفسه خاصة وغيره عامة، فمن كان مقصراً تعاهدناه. إن الاسلام مجتمعات والمجتمعات أفراد ، ومتى ما أصلح الفرد نفسه صلح جزء من مجتمع المسلمين، وعلى هذا فكل منا على ثغر من ثغور الإسلام، فالله الله ان يؤتى الإسلام من قبله. اللهم اجعل هذا العام عام خير وبركة للإسلام والمسلمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين