قبل نصف قرن، كنت في فرنسا للدراسة. لم أكن وقتها أعرف إلا القليل عن الأوضاع الداخلية في الولاياتالمتحدةالأمريكية. الشيء الذي كان رائجا في أوساط الطلبة العرب في فرنسا في تلك المرحلة هو «ان الدراسة في أمريكا أسهل بكثير من الدراسة في أوروبا» وأن من لديه وثائق دراسية في عدة كليات حتى ولو كانت غير مكتملة تجري معادلتها هناك ليقبل الطالب في السنة الجامعية الثانية أو الثالثة. هكذا شد زميلنا ممدوح الأطرش- له الصحة إن كان حيا وله المغفرة إن كان ميتا- الرحال إلى امريكا بعد أن مضى عليه ثلاث سنوات في ثلاث كليات، لم يكمل واحدة منها. بعد ستة أشهر تقريبا، عاد ممدوح إلينا «سالما» ومبررا عودته بطريقته المرحة والماكرة: كيف يمكن لإنسان مسالم أن يعيش في أمريكا والحد الأدنى للسلاح الشخصي المسموح به للمواطن الأمريكي.. دبابة؟ مبالغة؟ صحيح، لكن وبناءً على ما كشفته التحقيقات في لاس فيغاس يمكن لسلاح عادي أن يصبح أوتوماتيكيا ومستمر الطلقات بواسطة تقنية بسيطة ورخيصة. هذا السلاح الأوتوماتيكي الفتاك يمكن أيضا تثبيته بطريقة ما على/ أو في الصندوق الخلفي لسيارة عادية لتصبح «دبابة مدنية» لقتل جماعي. اليوم يعرف كل المتابعين تفاصيل الجريمة التي ضربت لاس فيغاس ويعرفون أيضا مبدأ الدفاع عن النفس الذي شرع على أساسه حق اقتناء السلاح في أمريكا وضوابط هذا التشريع الضبابية التي أوصلت إلى كارثة لاس فيغاس والتي لم تكن سوى تتويج لكوارث سابقة وإن اختلف عدد الضحايا. تنظيم وتقنين وجود السلاح في أيدي الناس لا علاقة له بنوع النظام السياسي القائم في هذا البلد أو ذاك. حتى الولاياتالمتحدةالأمريكية تسير بهذا الاتجاه بالرغم من الصعوبات الجمة المتمثلة بوجود ثقافة وكيانات سياسية معارضة تمثل مصالح نافذة وقيادية في السياسة الأمريكية. الرئيس الأمريكي لم يشر في تعليقه على المذبحة إلى موضوع تفشي السلاح. لكن، وأمام الحملة الإعلامية على ضرورة طرح الموضوع للنقاش وبخاصة على لسان الرئيس السابق باراك اوباما والمرشحة الديمقراطية الخاسرة هيلاري كلنتون، كان لابد من الرد. هيلاري كلنتون قالت (أحزاننا لا تكفي. نستطيع وضع السياسة جانبا ونقف وجها لوجه أمام المنظمة الوطنية للسلاح- أكبر لوبي لدعم حرية اقتناء السلاح- ونعمل سويا لمحاولة أن لا يحدث ما حدث). هذا الموقف الواضح، استوجب ردا واضحا من البيت الأبيض مفاده (من السهل على السيدة كلنتون أن تنتقد، لكن يجب أن نتذكر بأن الوحيد الملطخة يده بدم هذه الجريمة هو من أطلق النار والوقت غير ملائم للنيل من أشخاص أو منظمات). وبما أن مشكلة تفشي السلاح بين الناس بهذا التعقيد وتستند إلى الدستور الأمريكي فالأمريكان أدرى بأمور دنياهم. لكن من جانب آخر ومهم، فإن الذين ماتوا أو جرحوا وما حل بذويهم من آلام وفواجع هم أناس أبرياء ينتمون إلى الإنسانية الكبرى (يا أيها الناس..). لذلك، فإن ما حل بهؤلاء الأبرياء، يحل اليوم لسوء الحظ وبأشكال مختلفة لأقرانهم وبأعداد مرعبة في العديد من أماكن الاضطراب في العالم. لا أحد في منأى عما حدث في لاس فيغاس، وتحديدا في موضوع تقنين اقتناء الأسلحة والمسارعة في تحديث تشريعاتها ورصد مظاهر تفشيها بدعاوى «اجتماعية» تجاوزها العصر كشرف قد يقود إلى القتل المجاني. مبرر هذا المقال هو أنني تسلمت رسالة على الواتس اب من عنوان يعرض خدمات 20 شابا يقدمون «فزعة بدون مقابل». خدماتهم واضحة، يأخذون حقك بالقوة والضرب المبرح وبأسعار تتعلق بقوة الخصم من 500 للفرد إلى 3000 لستة أشداء. للتسلية؟ ممكن، لكن مجرد التفكير خطر محتمل. حمى الله بلادنا من كل شر.