تداول مؤخرا المتابعون والمختصون في وسائل الاعلام المختلفة تصريح صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية -حفظه الله- وتوجيه سموه للجهات المختصة بمتابعة ومساءلة كل من يسيء إلى الذوق العام بألفاظ لا تليق. هذا غيض من فيض ما في جعبة سموه من حرص لحماية الذوق العام، ولا أقول ذلك من منطلق مشاعر المودة والامتنان فقط نحو سموه بل أيضا من منطلق الواقع الذي عايشناه مع سموه خلال رحلتنا معه في تأسيس الجمعية السعودية للذوق العام (ذوق) منذُ أن كانت فكرة طرحت في (تويتر)، ما لبثت الا أياما قليلة بل ساعات حتى تبناها ودعمها، فلماذا هذه الخصوصية؟. لن أتطرق لمناقب سموه وصفاته وما يتمتع به من حس قيادي واجتماعي، وحب من حوله له فقد سبقني الكثير في رسائلهم أو تغريداتهم أو مقالاتهم عبر صفحات جريدتنا الغراء «صحيفة اليوم» أو غيرها من الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي على مختلف أنواعها، كما أنني أعلم زهد سموه في الإطراء والمديح، لكن طرحي مبني على المخرجات التي استقيتها من أرض الواقع، والتجربة الشخصية التي عشتها، والتي أكدتها الأرقام التي تعكس واقعنا الذي نعيشه، وهنا أود أن أتوقف في بعض المحطات خلال هذه الرحلة، لأسلط الضوء على طريق رحلة الذوق العام. مملكة الذوق حققت المملكة العربية السعودية نقلة حضارية طموحا شملت كافة المجالات التعليمية والثقافية والصناعية والاجتماعية وغيرها، ويرجع ذلك إلى التاريخ الحافل للمملكة منذُ بزوغ فجر الإسلام الذي انطلق منها ليعم أرجاء المعمورة في كل مكان، وقد قام جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بدور كبير في توحيد البلاد، وذلك بتوفيق الله -سبحانه وتعالى- ثم بفضل الجهود والمتابعة والعمل الدؤوب على توحيد انطلاقة الوطن تحت راية الإسلام متمسكا بتعاليم الدين الإسلامي، والاقتداء بنهج وقدوة البشر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتكون منهجا تسير عليه المملكة، وجاء من بعده أبناؤه المخلصون الذين حملوا راية الوطن على سواعد الثقة والأمل لتحتل المملكة مكانتها الرائدة بين دول العالم، وتواصل رحلة العطاء والنماء في ربوع الوطن عبر رؤية متقدمة بناءة تتجاوز كل التحديات، وتقفز بالمملكة -بإذن الله- إلى مكانتها السامية التي تتجاوز بعطائها حدودها فأصبحت مملكتنا بفضل الله -سبحانه وتعالى- ثم بجهود حكومتنا ومساندة أبناء الوطن باقة من أمل ونبعا للعطاء الدافق المتميز وفي أجمل وأجل صور الإنسانية، ولتحقيق أهداف رؤية الوطن 2030 فلا بد أن يكون الذوق العام سمة تصبغ كل تعاملاتنا واتصالاتنا والتزاماتنا وحوارنا مع الآخرين، ويكون لنا نهج نؤمن به ونمارسه ونعيشه في الداخل والخارج. سمو الذوق سجلت المنطقة الشرقية رقما قياسيا في عدد الجمعيات الخيرية والمتخصصة بين مناطق المملكة، ومستفيدة من الدعم اللامحدود من قبل حكومتنا الرشيدة للقيام بمهامها على أكمل وجه، متلقية الدعم والتوجيهات والمشاركات من قبل أمير المنطقة الشرقية الذي يعمل بنهج مبتكر لدعم تلك الجمعيات على مختلف تخصصاتها، لتكون عاملا فاعلا ومساندا ومتكاملا في خدمة مجتمعها. ومن اللافت للنظر أن معظم الأعمال العظيمة سواء على المستوى الفكري أو العلمي كانت وليدة خيال سابق له، ومن هنا جاءت فكرة الذوق العام من خلال تغريدة في شبكة التواصل الاجتماعي لرصد كل ما يخدش الذوق العام في المجتمع، فكرة تناغمت مع رغبة الكثير من أفراد المجتمع كونها تحاكي معاناة الكثير منا والرغبة الجادة لإعادة الأمور الى مسارها الطبيعي والذي نشأنا عليه، مستمدين ذلك من ديننا ونهج سلفنا الصالح، ومنذُ بزوغ ولادة الفكرة (الذوق العام) جاء احتضان وتبني الأمير سعود للفكرة وتوجيه سموه لي ولجميع زملائي وزميلاتي المؤسسين للذوق العام، وذلك خلال دعوة سموه لنا للمشاركة باحتفالية ذكرى اليوم الوطني 83 والالتقاء بسموه والتحدث معه وحرصه على ضرورة العمل الفوري لنشر ثقافة الذوق العام على أرض الواقع وفق عمل مؤسسي متقن، ولن أنسى كلمات سموه لنا في تلك المناسبة ما حييت عندما قال: «رغبت أن أهدي الوطن هدية في هذه المناسبة (ذكرى اليوم الوطني) الغالية علينا جميعا فلم أجد اغلى وأثمن منكم أبناء لهذا الوطن، والذين بادروا وحرصوا للعمل دون أن يطلب منهم لخدمة دينهم ووطنهم وأهلهم، وأنا فخور بكم»، وما زال سموه حتى هذه اللحظة معنا بتوجيهاته وخطوة بخطوة فأضحى بيننا نبراسا للذوق، وتحقق بفضل الله تعالى ما خطط له ضمن خارطة كبيرة في طريق الذوق بإصدار الترخيص الرسمي لأول جمعية متخصصة في الذوق العام في المملكة تحت مسمى «الجمعية السعودية للذوق العام (ذوق)» منطلقة من المنطقة الشرقية لتعم بأرجائها كل جزء وبقعة في أرض بلادنا الغالية قاطبة بإذن الله سعيا لتحقيق الجمال والارتقاء بالذوق العام في كافة مجالات الحياة. الذوق بين التوعية والضوابط لقد جاءت فكرة الذوق العام للرقي بيننا في تعاملاتنا وممارساتنا اليومية لتبدو مملكتنا واحة للجمال والإشراق ومثالا يحتذى به، وهذا يتطلب رؤية شاملة تدفعنا مواطنين ومقيمين إلى التمسك بأخلاقنا وقيمنا والالتزام بقواعد وأصول الذوق العام ليكون طبيعة متأصلة فينا وجزءا لا يتجزأ من حياتنا، وما يتطلبه ذلك من أهمية لوضع الأسس والخطط والإمكانيات وبذل الجهود للوصول الى الأهداف المنشودة، لتتحول هذه الجهود الخيرة والأعمال الدؤوبة والاجتهادات الفردية المخلصة إلى جهة احترافية مدعومة بالضوابط والسياسات والبرامج التوعوية المتخصصة، وهذا ما أكدته مخرجات الورشتين اللتين عقدتا في بدايات تأسيس مبادرة الذوق، وحضرها العديد من المختصين والمتفاعلين من ذوي العلاقة، وقد أظهرت نتائج الورشة أن وضع السياسات والأنظمة والضوابط وحمايتها بالجزاءات محل التنفيذ له أكبر الأثر في إحداث النقلة وتحسين الذوق العام، وهذا ما جسدته بشكل واضح رسالة أمير المنطقة الشرقية التي جاءت مؤيدة ومعززة وداعمة لدور الذوق العام، وحاجتنا العملية لتطبيق ذلك على أرض الواقع لتكون هذه الضوابط والسياسات رافدا لما ينبغي القيام به من برامج وفعاليات تُعنى بدعم وتوعية المجتمع. وستكون لنا وقفات مع محطات أخرى بإذن الله.