ما أحوجنا إلى الحكمة في حياتنا الخاصة والعامة، فهي معيار التعامل السديد مع المواقف المختلفة وفقا لمقتضى الشرع والعقل. ومن خلالها ننجح في اختيار القرار الصحيح في دائرة مسؤولياتنا دون تهور أو تقاعس ومعالجة المشكلات وإدارة الأزمات بشكل مناسب وكذلك نجاح العملية التربوية للنشء، وبلاغ موفق للدعوة إلى الله تعالى. فلا غرو أن عدها القرآن الكريم (خيرا كثيرا)، قال تعالى: {يُؤتِي الحِكمة من يشاء ومن يُؤت الحِكمة فقد أُوتِي خيرا كثِيرا وما يذكرُ إِلا أُولُوا الألبابِ} (269) سورة البقرة ولكي نكتسب الحكمة فلا بد من خطوات ثلاث: أ- كسب المعرفة: لا بد من تحصيل العلم الصحيح قبل اتخاذ أي خطوة (ولا تقفُ ما ليس لك بِهِ عِلم إِن السمع والبصر والفُؤاد كُلُ أُولئِك كان عنهُ مسئُولا)(36). ب- الاتزان الانفعالي: من المهم لتتمكن من الافادة من رصيدك من المعرفة أن تملك انفعالاتك بما يجعلك تحسن التعبير عنها بشكل إيجابي... فمما يضيع الحكمة هو عجزنا أمام حدة انفعالاتنا من الخوف أو الغضب (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) رواه أحمد. ج- حسن التدبير والإعداد: إن التصرفات الارتجالية أو العشوائية لا تمت بصلة إلى سلوك الحكمة فلا بد من أن يعتاد المسلم أن يفكر أو أن يعجل في تعامله مع المواقف المختلفة. إن السلوك الفوضوي ينشأ عادة من النظرة السطحية للأمور، والوقوف عند ظواهر الأحداث دون النظر في أسبابها، ومآلاتها وآثارها، والنتيجة الطبيعية لاتخاذ القرار، والموقف من الحدث، هو عدم تطابق ما يتخذ من قرار مع ما يستوحيه الحدث، وبالتالي يجانب الحكمة، لأن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه. إن المعرفة النظرية وحدها غير كافية لاكتساب الحكمة أو أي خلق من الأخلاق الفاضلة، أؤكد هذا ونحن على مقربة من عام دراسي جديد نأمل أن يضع معلمونا ومعلماتنا هدفا أكبر لتربية أولادنا على تعليم الحكمة التي تنتقل بعملية التعليم من الحفظ إلى التفكير. ومن المعرفة إلى الممارسة من خلال إتاحة الفرص والتجارب والمواقف الاجتماعية فهي الميدان الحقيقي لاكتساب الحكمة. وهذا هو منهج النبوة في الدعوة والتعليم {كما أرسلنا فِيكُم رسُولا مِنكُم يتلُو عليكُم آياتِنا ويُزكِيكُم ويُعلِمُكُمُ الكِتاب والحِكمة ويُعلِمُكُم ما لم تكُونُوا تعلمُون} (151) سورة البقرة.، فالرسول لم يكتف بتعليم القرآن أي النص الإلهي فحسب، بل كان يعلم أصحابه والأمة الحكمة التي تعينهم على التطبيق الصحيح لما تعلموه في المواقف المتغيرة والجديدة. والحكمة في التعامل مع أولادنا تيسر عملية النمو الأخلاقي لهم بثبات أكبر مقارنة بالأبوة «المتساهلة» أو الأبوة «المتسلطة». فالأسلوب الحكيم يضع قواعد أخلاقية ثابتة وحدودا واضحة، ويشجع التواصل الصريح وتعليل القواعد، كما فعل لقمان الحكيم مع ولده وهو يعظه.