هناك ما يلفت في نتائج دراسة أجريت مؤخراً في بريطانيا وكتبت عنها الصحف على عينة قوامها ستة آلاف من البريطانيين الذين يتمتعون كما هو معروف عنهم برباطة الجأش عند الغضب، والتحكم في الانفعال العصبي، لمعرفة نتائج هذا السلوك «الأخلاقي», على أجسامهم، وسلامتها، أو إصابتها، إذ توصلت الدراسة إلى أن التحكم في الغضب وضبط النفس، وكتم الانفعال يسبب الأمراض العديدة مثل ارتفاع ضغط الدم، والفشل الكلوي، والقلب، بل السرطان.. والقوى العقلية..! وبمثل هذه النتائج يزداد اليقين في علم رسول الله صلى الله عليه سلم، حيث نهى عن الغضب من جهة، تأكيداً لأنه ذاته الحافز للأمراض لما يسببه من اختلال في وظائف الدم، والقدرة الادراكية، وطاقة استيعاب العروق، والشرايين، لانفعالاته، لذا ذكر عليه الصلاة والسلام العلاج، بعدم الغضب، وللسيطرة عليه إن كان الغضبان واقفاً فليجلس، أو جالساً فليقف, وجعل الماء دواءه, فهو يطفئ الغضب كما يطفئ النار.., وليس الشديد بالصرعة.. قوة الجأش سمة ذوي الأخلاق.. القادرون على الحياة. عندئذ فإن مسببات هذه الأمراض ليست الحكمة في المواقف، بضبط جماح الغضب، وتجاوز الانفعال، بل بالكبح دون إطفاء الغضب، وإزاحة آثاره، فنتائج هذه الدراسة لا تتناقض وتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي في هذا السياق ناتجة عن الكبت غير المفرَّغ، لا بتعديل حالة الجسد، ولا بإطفائه بالماء.. لذا ينبغي أن تخضع هذه الدراسة لوضع العلاج النبوي لكبت الغضب، وانفعالاته الذي وجه إليه من علمه ربه، وما ينطق به ليس عن هوى، بل الذي علمه هو شديد القوى، على كل من خلق بما فيهم أجساد خلقه, وطباعهم، وانفعلاتهم، وقدراتهم.. بدل أن تجعل الباحثين فيها يوجهون إلى التعبير عن الغضب ولو بشكل حاد، وانفعالي، من أجل الحفاظ على صحة أجساد الغاضبين, ذوي المزاج الحاد، وسلامتهم من الأمراض, كما خلصت إليه الدراسة ذاتها في مقارنة عينات الكابحين جماح غضبهم، والمطلقين له العنان.. ولأن الأمر يتعلق بسلوكٍ أخلاقي، له علاقة بارتباط الناس ببعضها، ولتسود قيم الضبط للنفس، والهدوء والروية، والتجاوز بالتحكم في الانفعال, أرى أن نتائج تلك الدراسة ناقصة.. تحتاج لأن تستوفي العلاج، ذلك لأن الأمر لا يرتبط فقط بالصحة الجسدية، بل الأخلاقية، فالتحكم في الغضب هو جزء من الأخلاق، حيث تنعكس في علاقات البشر، وتأثيرها في تعاملاتهم، بسلوك الفرد والجماعة. والغضب داء، ولكل داء في طب محمد صلى الله عليه وسلم دواء، ما ترك النفس، ولا الجسم، ولا العقل، ولا الروح، تمرض ولا تجد دواءها.. أجل لم تترك سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام منفذا لها دون الدلو فيه بإرواء.. ترى، لو أن هناك باحثين مناظرين لأولئك، ممن يمتحون من هديه الشريف، ويستخلصون متممات نتائج أي دراسة في العالم بين أيديهم، من هذا الهدي الرباني، أفما كان لهم الغلبة، والظهور..؟! عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855