"الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها"، حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه لنا خيرة علمائنا المحدثين من كنز السنة المخبوء، فسار حتى صار مثلاً وقولاً مأثوراً يحفظه الناس ويرددونه، وقد ظللت أردده لنفسي سنوات، وأنا أسائلها: الحكمة ضالة المؤمن.. نعم، ولكن أنى يجدها؟ وفي محاولة للإجابة ظللت لفترة –وما زلت- أردد أن الحكمة كما يمكن أن تعبر عنها الكلمات الموجزة التي ينطق بها لسان أو قلم حكيم فتمثل بالنسبة له "عصارة" خبراته ومعارفه وتأملاته في الحياة، فإنها يمكن أن تلتمس في خبرات وتجارب الحياة ذاتها والتي لا بد أن يمر بها الإنسان أو تمر بها المجتمعات فتستخلص وتجرد من تفاصيلها الدقيقة قواعد عامة يمكنها أن تكون هي تلك الحكمة التي نتلمسها. ولكنني عدت للتساؤل مرة أخرى باحثا عن المعيار والمرجعية التي تحكم عملية تلمس الحكمة، وهل كل مؤمن قادر على العثور على الحكمة؟.. بمعنى آخر.. هل الحكمة وهبية أم كسبية؟ وهي الأسئلة التي جعلتني أبحث فيما ورد حول الحكمة في القرآن الكريم مستعينا بالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن فكانت تلك الرحلة من التأملات. سبل الحكمة في القرآن المتأمل في القرآن يجد أن لفظ الحكمة قد ورد في القرآن الكريم 20 مرة في 12 سورة، والمتأمل في تلك الآيات العشرين يجد سبلا عدة لتحصيل الحكمة: أولا: إن الحكمة تتعلم: ففي ثلاث آيات منها نجد وصف الله لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم: فمن دعاء إبراهيم عليه السلام في الآية 129 من سورة البقرة: (ربنا وابعث فيهم رسولا يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم). ومن حديث الله إلى عباده المؤمنين من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ممتنا عليهم في الآية 151 من سورة البقرة: (كما أرسلنا فيكم رسولا يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون). وفي معرض امتنان الله على عباده أيضا برسوله صلى الله عليه وسلم في الآية 2 من سورة الجمعة: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين). - وفي آيتين من الآيات العشرين يتحدث سبحانه ممتنا على عبده ورسوله عيسى عليه السلام بأنه سبحانه قد علمه الحكمة: ففي معرض حديث الملائكة لمريم حول ابنها رسول الله عيسى عليه السلام في الآية 48 من سورة آل عمران: (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل). وفي معرض امتنان الله سبحانه عليه يوم القيامة في الآية 110 من سورة المائدة: (وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل). ثانيا: إن الحكمة تنزل من عند الله: كما ورد في الآيتين: الآية 231 من سورة البقرة في معرض تذكير الله لعباده المؤمنين بنعمته عليهم (واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به)، والآية 113 من سورة النساء في معرض تفضله سبحانه على نبيه وحبيبه محمد: (وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما). ثالثا: إن الحكمة تؤتى إيتاء: كما ورد في ست من الآيات حكاية عن الأنبياء جميعا، وعن آل إبراهيم خاصة، ثم عن نبيه داود بوجه أخص، ثم عن عبده لقمان، ثم عن سائر خلقه: ففي الآية 81 من سورة آل عمران يذكر لنا ميثاقه سبحانه مع أنبيائه: (وإذ أخد الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه). رابعا: إن الحكمة توحى: كما ورد في الآية 39 من سورة الإسراء تعقيبا على عدد من أوامر الله ونواهيه وتذكيرا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة). خامسا: إن الحكمة يجاء بها: كما ورد في الآية 63 من سورة الزخرف حكاية على لسان نبي الله عيسى عليه السلام: (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون). سادسا: إن الحكمة تتلى: فكما ورد في الآية 34 من سورة الأحزاب من حديث الله سبحانه لزوجات النبي: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا). سابعا: إن الحكمة هي وسيلة للدعوة: ففي الآية 125 من سورة النحل في إطار توجيه الله لنبيه: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). ثامنا: إن الحكمة تستقى من أنباء الأمم السابقة: ففي الآيتين 4 و5 من سورة القمر حكاية عن قوم محمد صلى الله عليه وسلم: (ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر، حكمة بالغة فما تغني النذر). معاني الحكمة هل كل مؤمن يمكنه تحصيل الحكمة؟ وقبل أن أكمل المسيرة مع التجليات الأخرى للحكمة في القرآن تعالوا نتوقف هنيهة، محاولين تلمس معاني الحكمة سواء مما سردنا من آيات، أو مما يقوله اللغويون: ولنبدأ من مختار الصحاح (طبعة نهضة مصر ص 148): "الحكمة من العلم، والحكيم العالم صاحب الحكمة، والحكيم أيضا المتقن للأمور".وكلمة حكمة هي من مصدر "حكم" وهو المصدر الذي له عدة اشتقاقات، والاشتقاقات الواردة منها في القرآن تعطي معنيين لهما نصيب في معاني الحكمة: المعنى الأول معنى الحكم: معنى الحكم على الأمور، والحكم بين الناس، والحكم على الناس وحكم الناس. ومن ذلك قوله تعالى في نبي الله يحيى: (وآتيناه الحكم صبيا)، وليس المقصود هنا بالطبع ليس الحكم بالمعنى السياسي للكلمة؛ لأن الثابت من التاريخ أن نبي الله يحيى لم يحكم، كما أن كلمة "صبيا" في الآية تصرف الذهن إلى الثلاثة معاني الأولى والتي أشرنا إليها هنا (الحكم على الأمور، والحكم بين الناس حال تخاصمهم، والحكم على الناس بمعنى تقييمهم). المعنى الثاني معنى الإحكام: ويعني الإجمال والإتقان والدقة والضبط. فالمتأمل لسبل تحصيل الحكمة في الآيات السابقة يدرك أنها قد تعني: قدرة: يتم تعلمها والإيتاء بها. معانٍ: يتم استقاؤها وأيضا تعلمها والإيتاء بها. نتاج فكري ملموس: ينزل ويوحى ويتلى ويتعلم ويؤتى به. وأنها في كل ذلك يدعى بها ويجاء بها. والمتأمل أيضا لآيات الحكمة يجد ارتباطا كبيرا بين "الكتاب" الموحى من عند الله وبين الحكمة، وإن كان يفصل بينهما دائما الواو وهي تعني المغايرة وإن لم تنف الارتباط: ففي محل الارتباط: نجد أن الحكمة هي نتاج وخلاصة وعصارة النظر المعتبر في الكتاب.. فتعلم الكتاب يجلب الحكمة. وفي محل المغايرة: فإنها تعني أنها شيء مختلف عن الكتب السماوية التي أوحى الله بها إلى رسله، وأنها شيء يشبه السنة والسيرة عند النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما يثبت –مثلا- من المرويات عن عيسى عليه السلام مما جمعه أتباعه من أقواله وسيرته وأفعاله ووضعوه فيما صاروا يسمونه بالإنجيل. أيضا المتأمل في آيات الحكمة يجد أن التزكية تسبقها أحيانا، وأحيانا أخرى تتلوها، أي أن التزكية هي للحكمة بمثابة البيئة التي تحيط بها، فكلما تزكت النفس وزكت ازدادت حكمة، وكلما ازدادت الحكمة زكت النفس وتزكت.. أو هكذا ينبغي. وكأن الحكمة بعد كل ذلك إذن هي: الميزان العقلي المستمد من الكتب والرسالات فيجعل الإنسان قادرًا على الحكم المنضبط على الأمور. وهي القدرة على إدراك السنن التي أحكم الله بها وحكم في الأنفس والآفاق. وهي القدرة على إدراك العاقبة والمآل والتي تدفع الإنسان إلى فعل الإيمان والخير.وهي ما ينتج عن كل ذلك من معانٍ في النفس والعقل ينطق بها اللسان.. وتجري بها الأقلام في نتاج فكري ملموس.سبل الحكمة في القرآن المتأمل في القرآن يجد أن لفظ الحكمة قد ورد في القرآن الكريم 20 مرة في 12 سورة، والمتأمل في تلك الآيات العشرين يجد سبلا عدة لتحصيل الحكمة: أولا: إن الحكمة تتعلم: ففي ثلاث آيات منها نجد وصف الله لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم: فمن دعاء إبراهيم عليه السلام في الآية 129 من سورة البقرة: (ربنا وابعث فيهم رسولا يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم). ومن حديث الله إلى عباده المؤمنين من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ممتنا عليهم في الآية 151 من سورة البقرة: (كما أرسلنا فيكم رسولا يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون). وفي معرض امتنان الله على عباده أيضا برسوله صلى الله عليه وسلم في الآية 2 من سورة الجمعة: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين). - وفي آيتين من الآيات العشرين يتحدث سبحانه ممتنا على عبده ورسوله عيسى عليه السلام بأنه سبحانه قد علمه الحكمة: ففي معرض حديث الملائكة لمريم حول ابنها رسول الله عيسى عليه السلام في الآية 48 من سورة آل عمران: (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل). وفي معرض امتنان الله سبحانه عليه يوم القيامة في الآية 110 من سورة المائدة: (وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل). ثانيا: إن الحكمة تنزل من عند الله: كما ورد في الآيتين: الآية 231 من سورة البقرة في معرض تذكير الله لعباده المؤمنين بنعمته عليهم (واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به)، والآية 113 من سورة النساء في معرض تفضله سبحانه على نبيه وحبيبه محمد: (وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما). ثالثا: إن الحكمة تؤتى إيتاء: كما ورد في ست من الآيات حكاية عن الأنبياء جميعا، وعن آل إبراهيم خاصة، ثم عن نبيه داود بوجه أخص، ثم عن عبده لقمان، ثم عن سائر خلقه: ففي الآية 81 من سورة آل عمران يذكر لنا ميثاقه سبحانه مع أنبيائه: (وإذ أخد الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه). رابعا: إن الحكمة توحى: كما ورد في الآية 39 من سورة الإسراء تعقيبا على عدد من أوامر الله ونواهيه وتذكيرا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة). خامسا: إن الحكمة يجاء بها: كما ورد في الآية 63 من سورة الزخرف حكاية على لسان نبي الله عيسى عليه السلام: (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون). سادسا: إن الحكمة تتلى: فكما ورد في الآية 34 من سورة الأحزاب من حديث الله سبحانه لزوجات النبي: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا). سابعا: إن الحكمة هي وسيلة للدعوة: ففي الآية 125 من سورة النحل في إطار توجيه الله لنبيه: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). ثامنا: إن الحكمة تستقى من أنباء الأمم السابقة: ففي الآيتين 4 و5 من سورة القمر حكاية عن قوم محمد صلى الله عليه وسلم: (ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر، حكمة بالغة فما تغني النذر).