لطالما مثل العيد بعدا وجدانيا هاما للفرد بالإضافة إلى جوانبه الروحية الإيمانية وكذلك الاجتماعية. فهو محطة رئيسية تستوقف الذات في لهاثها المستمر وانشغالها بهموم اليومي والعادي لتمنحها الفرصة للقيام بالتفافة سريعة على كل ذلك وتوقفه باتجاه الروح وحدها، ووصلها بكل ما هو إنساني في قيمته ومجرد عن القصدية والمنفعة. فبالنسبة إلى الشعر وباعتباره الناطق والمعبر عن الروح الجمعية، فقد احتفى بالعيد بشكل أغنى الذاكرة بالعديد من المقطوعات والأبيات الشعرية التي رددتها الأجيال كمتلازمة أعيادية مثل قول المتنبي: (هَنيئاً لكَ العيدُ الذي أنتَ عيدُهُ) وكذلك (عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ) أو (أي شيء في العيد أهدي إليك.. يا ملاكي وكل شيء لديك!) لإيليا أبو ماضي... وغيرها من الأبيات الشعرية التي تحولت إلى مقولات متناقلة وغنائيات مشهورة. أما حديثا، وبينما يحصد الشاعر جاسم الصحيح الكثير من إشارات الإعجاب وإعادة التغريد في برنامج التواصل الاجتماعي «تويتر» على نصه عن العيد: (جُرِّي ليَ العيد من أقصى طفولتهِ / فقد ظمئتُ إلى الألعاب والصُوَرِ)، تنسحب النصوص الأدبية والشعرية من واجهة رسائل المعايدة لتحل محلها «البوسترات» الجاهزة وقوالب تتزين بالخط العربي وبالورود محل النص المكتوب. فهذه الانزياحة التعبيرية تأتي بعد سنوات من تصدر بعض الأبيات الشعرية والنصوص الأدبية لجزء كبير من رسائل المعايدات، وذلك عند ما أتاحتها التقنية في رسائل الهاتف المحمول، وساعدت على تواصل الأديب بمجتمعه والتعبير عن أحاسيسه بشكل شاعري. نحن نعي أن هذه طبيعة المرحلة عند ما وفرت التقنية للفرد وسائط تعبيرية متعددة، ومن خلالها ينتقي المناسب لإيصال مشاعره وأفكاره بالصوت والصورة، لكن ما يشغلنا حقاً هو ألا تنزوي الآداب والفنون بعيداً عن تناول المجتمع وألا تنفصل بكيانها وتصبح نخبوية وفئوية خاصة وتعبر فقط عن المهتمين بهذه الألوان الإبداعية فحسب.