مشكلة الأشقاء في قطر أنهم يريدون أن يلعبوا خارج التاريخ، وخارج الجغرافيا، وهي ذات المشكلة التي وقع فيها العقيد القذافي، وأنتجتْ نظريته الثالثة في كتابه الأخضر الذي عزل ليبيا عن العالم وجرّها إلى غابة من الأوهام، وأفقدها القدرة على بناء مؤسساتها بشكل طبيعي، وجعلهم يدفعون الثمن اليوم غاليا وهم يحاولون استرداد بلادهم من متاهة النظريات الجوفاء، والبحث عن الأدوار الكبرى. قطر منذ حكم الشيخ حمد، والذي يبدو أن تطلعاته السلطوية كانت أكبر من حجم بلاده، لعب نفس الدور نقصد دور العقيد، ولكن هذه المرة بالثوب الخليجي، وبلا نياشين، ولا أوسمة، وبلا ملابس غريبة وتقليعات كما كان يفعل ملك ملوك أفريقيا الذي كان على استعداد لإنفاق كل ميزانية بلاده أمام لقب، أو إمامة صلاة تجمع أكبر عدد من الأفارقة، وكانت قناة الجزيرة هي أداة التعويض عن الفاقد الاستراتيجي في المساحة والسكان والحجم السياسي والتاريخي، حيث استخدمتْ حينها تارة كناب، وأخرى كسفير لجمع المريدين والتابعين، مما أدخل قطر في دوامة من المشاكل والخلافات حتى مع محيطها الخليجي الذي لم ينج من تدخلات إعلامها الذي جمع القوميين مع الإخوان ومع اليساريين لأول مرة في سلة واحدة، كل هذا من أجل تضخيم حجم قطر، وإلباسها لباسا أكبر من حجمها، رغم أن قطر كبيرة، وكبيرة جدا في عيون أشقائها كشعب، وكإخوة، ولكن الحديث هنا عن الأحجام السياسية والإستراتيجية، وهي قضايا لا يمكن شراؤها، ولا استعارتها أو استئجارها بالمال. ولكن يبدو أن الأمر الأخطر في السياسة الخارجية القطرية منذ حمد بن جاسم أنها تعيش عقدة الشقيق الأكبر إلى حد الغصة، بل إلى حد التآمر الذي أفصحت عنه التسريبات المسجلة مع العقيد القذافي، وهو موجود على اليوتيوب، والذي كشف أن أكثر ما يغيظ صانع القرار السياسي هناك هو حجم المملكة وتأثيرها الإقليمي والعربي والدولي، رغم أن المملكة تعاملتْ مع الأذى القطري بمنطق الأخ الأكبر، الذي يريد أن يستوعب طيش شقيقه، بدا ذلك واضحا في العديد من المفاصل عبر التدخلات القطرية في الملفات التي تمسك بها المملكة، ومحاولة أخذ دورها، بغيرة عجيبة تكشفتْ في تنظيم مؤتمر الدوحة (2008)م فيما يخص الإخوة اللبنانيين، في محاولة لإقصاء مؤتمر الطائف من الذاكرة، والذي أصبح دستورا في لبنان بعد أن أنهى 15 عاما من الاحتراب الداخلي في بلادهم، هذا إلى جانب العديد من المماحكات السياسية، ودون أي رد فعل من المملكة في بادئ الأمر إلى أن تفاقم الأمر بالكثير من الشغب تجاه بعض دول الخليج الأمر الذي استدعى في لحظة ما استدعاء السفراء كتحذير عام (2014)م، وقد استمرتْ هذه السياسة مع الشيخ تميم، في جمع المتناقضات كالعلاقة مع حزب الله والجماعات المتطرفة في سوريا في آن واحد، وإسرائيل وإيران وغيرها من سياسات الغرائب وصولا إلى هذه المواقف الأخيرة التي لا تحتاج إلى دليل بعد إعادتها إلى مضانها، على اعتبار أن عقدة قطر ظلت ولا تزال هي محاولة التكابر مع المملكة ولعب أدوار البطولة ولو بجسد صغير.