ربما لا يذكر موضوع النشر في الداخل دون ان تخطر في البال حكاية هجرة مخطوطات الاعمال الابداعية والفكرية الى العواصم والمدن العربية بحثا عن فضاءات تلجأ اليها هربا مما في الداخل من صعوبات وتعقيدات تعرقل خروجها الى النور او قد تخرج اليه ولكن بعد مرورها بمرشحات تضمن خروجها بهيئة وبشكل لا نعتقد انهما يرضيان منجزيها. هجرة المنجز المحلي وبالتالي غربته عن مرجعيته وحواضنه الثقافية والاجتماعية ليست المؤشر الوحيد الى ان ثمة مشكلة نشر, فهنالك مؤشرات اخرى, وهنالك اسباب عديدة لوجود المشكلة حظيت باهتمام المثقفين المشاركين في استطلاع (اليوم). وتواصلا مع ما بدأناه في الحلقة السابقة ها نحن اليوم نفتح ملفا آخر, ما ان بدأنا بالاستطلاع حتى تجاوب معنا عدد كبير من المثقفين والكتاب بشتى توجهاتهم.. غمرونا بما تختلج بهم صدورهم من آهات وطموحات تجاه قضية يعدونها الاهم في تاريخ كل مبدع. فما من كاتب الا ولديه قصة او حكاية.. اما مع مقص رقيب او مع عيون ناشر تبحلق في جيبه ليستنزف ما تبقى لديه من نقود بعد ان حافظ على ما تبقى له من نصوص. وبعد ذلك هل من متسائل: لماذا يهرب الكتاب للخارج؟ نحن هنا لن نجيب عن هذا التساؤل ولن نلخص ما قاله ضيوفنا. فكرة مطروحة ومع ان صناعة الكتاب الثقافي داخل المملكة, تواجه صعوبات كثيرة ومتشابكة, الا ان امكانية التغلب عليها مطروحة, والعمل بجدية على وضع الحلول لها يحتاج الى نوع من العمل الجماعي, وهذا ما يؤكد عليه الروائي السعودي ابراهيم الناصر الحميدان الذي يعتقد ان تفعيل صناعة الكتاب السعودي, لن يتم الا عبر المؤسسات الرسمية التي يعنيها الشأن الثقافي, ويقول الحميدان: من الضروري ان تكون هناك صيغة للعمل الجماعي فيما بين الاندية الادبية وبعضها البعض, كأن تعمل هذه الاندية على اقامة دار نشر كبرى لصناعة الكتاب الثقافي, تطبعه, وتسعى لتوزيعه, وتشارك به في المعارض العربية والدولية للكتاب, وقد طرحت هذه الفكرة على الاجتماعات العامة التي تعقدها الاندية الادبية سنويا, لكن هذه الفكرة لم تحدث لديهم اي صدى لاسباب لا اعرفها. وحول مسألة الرقابة واهمية النشر في الداخل يقول الحميدان: الطباعة في الداخل افضل الف مرة من الطباعة في الخارج, وبالمناسبة انا اقرأ معظم ما ينشر من كتب سعودية بالخارج, والحقيقة لا اجد فيها ما يمنع نشرها في الداخل, وهذا يعني ان المسألة ليست مسألة رقابة بقدر ما هي رغبة في النشر بعيدا عن المحلية, ومن هنا تبدو المسألة مختلفة, وانها ليست دوافع رقابية خصوصا ان الرقابة خفت بصورة ملحوظة في السنوات الاخيرة, وبالنسبة للكتب السعودية التي تطبع في الخارج, اعتقد ان فيها بعض التعبيرات لو حذفت قد لا تحدث اي خلل في نسيج العمل, وبالتالي فان استثناء مثل هذه التعبيرات التي يراها الرقيب جريئة من وجهة نظره, لن يغير في العمل شيئا, بل انه سيعطيه فرصة التواجد بالداخل, وهذا اهم بكثير للكاتب في مجتمعه, لانه من غير المعقول ان نكتب اعمالنا عن واقع محلي, ونعيش نحن في واقع, ونستهدف في كتاباتنا قارئا محليا, في حين ان كتبنا تطبع في الخارج, ولا يقرأها القارئ الذي كتبت عن واقعه, او تناولت مجتمعه, اعتقد ان طباعة العمل الادبي او الثقافي في الداخل تجعله قادرا على التحاور والتفاعل مع المجتمع الذي تشكل منه سرديا, ودارت احداثه في امكنته, وازمنته, وبين شخوصه. وحول رؤيته لتجربة المبدع السعودي مع دور النشر العربية, يقول الحميدان: يجب ان نعيد النظر في القضية برمتها, فدور النشر الخارجية, تحصل من الكتاب السعوديين على مبالغ قد تفوق بكثير كلفة طباعة الكتاب, وفي المقابل لا تعطيه الا عددا محدودا من النسخ, ليجد نفسه عاجزا حتى عن إهدائها لكل اصدقائه, فيضطر لشراء نسخ من كتابه ليقدمها هدايا, وهذه الدور توهم كتابنا بان اعمالهم سيتم توزيعها في كل ارجاء الوطن العربي, لكنها في حقيقة الامر لا تطبع الا كمية قليلة من النسخ لتستفيد بما توفره من كلفة الكتاب التي دفعها الكاتب اصلا, وبذلك لا يتم توزيعها الا في نطاق محدود جدا لا تغطيه النسخ التي طبعت, ولذلك انصح الكتاب السعوديين والشباب منهم على وجه الخصوص, بان يتوخوا الحذر, والا يلجأوا لدور نشر ليس لها تاريخ جيد, ونشاط معروف في مجال الطباعة والنشر, لان معظم تلك الدور تقوم في الاساس على مفاهيم تجارية, وتحاول بهذه الدوافع ان تستغل الكتاب السعوديين والخليجيين الذين يتوهمون, بان طباعة كتبهم عن طريقها ستحقق لهم الشهرة والرواج على المستوى العربي, وان كانت هناك دور نشر تسهم بذلك الامر, فهي قليلة وغالبا لا تطبع الا لأسماء معروفة, لتظل دور النشر الاقل منها هي الخيار الآخر امام الكتاب السعودي الذي يريد تجاوز الواقع المحلي بالانتشار عربيا. موقف ضعيف ويعتقد البعض ان سوء التوزيع يلعب دورا فعليا في كساد سوق الكتاب الثقافي السعودي داخليا لكن الدكتور سلطان القحطاني يرى ان مشكلة توزيع الكتاب هي لب المشاكل التي تواجه صناعة الكتاب السعودي, ويقول: التوزيع لدينا لا يزال رديئا ولم يهتم بالكتاب الثقافي ولا العلمي مثل اهتمامه بالمطبوعات السيارة مثل الصحف او المجلات, اضافة الى الكتب الاستهلاكية الاخرى, وهذا يعود الى ان الناشر لدينا يفكر بشكل تجاري بحت, والمقاييس لديه لا تختلف عن موزع المواد التموينية, فنحن نحتاج الى ناشرين تكون قضيتهم الاولى هي نشر الثقافة ومع نشرها سيحقق هذا الناشر الربح الذي يطمح اليه, بمعنى انه يقدم هدف الثقافة على هدف التجارة, لكن ما يحدث لدينا هو العكس, حيث يضع الناشر الهدف التجاري قبل اي شيء آخر, ولان توزيع الكتاب الثقافي سيئ, يخشى الناشر خوض تجربة صناعته, وحتى التوزيع يضع افتراضات مثل ان القارئ لا يهتم بالكتاب الثقافي, ولا يطلبه او يسعى اليه, ومن هنا نجد انفسنا امام مشكلة الوعي ذاتها, او مشكلة التعاطي مع العمل الثقافي الجاد, فالناشر والموزع يقيس الامور بمنطق تجاري, ويفترض ان الكتاب الثقافي لابد ان يحقق له ما يحققه اي كتاب آخر, والا فهو سلعة كاسدة ليس عليها اقبال وهذا مفهوم خاطئ لان الكتاب الثقافي الجيد يفرض نفسه لذلك يجب ان تكون المؤسسات الثقافية هي المعنية بهذا الدور, بدلا عن ان تقوم بدور الطابع فقط, فالكثير من الاندية الادبية تقوم بطباعة كتب لكنها لا تقوم بأكثر من هذا الدور تطبع فقط وتكدس في مخازنها لذلك يظل الكتاب كأنه لم يطبع اصلا ودورها يجب ان يكون اكبر من ذلك نحن لا نقول ان عليها القيام بدور الموزع ايضا لكن عليها ان تتفق مع ذلك الموزع ليقوم بتسويق انتاجها بدلا عن بقائه في المخازن والقول ان الكتاب الثقافي ليس عليه اقبال ولا يجد من يشتريه, القارئ يذهب الى المكتبات بحثا عن الكتاب الثقافي ولا يجده فلماذا نحكم عليه ونحن اصلا لم نقم بتوزيعه؟ وحول مسألة نشر الكتاب الثقافي السعودي في الخارج يتفق القحطاني مع ما ذهب اليه الحميدان من انها لم تحقق للمبدع السعودي ما يطمح اليه, ويقول: الكتاب السعوديون خاصة الشباب يطبعون كتبهم في الخارج بهدف البحث عن الانتشار, ويعتقدون ان ما يصدر في الخارج سيحقق لهم ذلك الانتشار, لكن عندما ننظر لهذه التجربة بعد سنوات الطباعة في الخارج, سنجد انها لم تحقق المأمول منها وان استطاع كتاب او كاتب ان يصل لنسبة من الانتشار فهي نسبة ضئيلة جدا لان الناشر الجيد او دور النشر المعروفة تبحث عن الاسماء المعروفة التي يمكن لها ان تسهم في توزيع الكتاب لكن الاسماء غير المعروفة عربيا حتى وان كانت تقدم انتاجا ادبيا او ثقافيا جيدا لا تجد اهتماما من دور النشر المعروفة التي تساعد الطباعة فيها على الانتشار عربيا, ويخلص القحطاني الى القول ان الكاتب السعودي الشاب يظل في موقف الطرف الاضعف بالنسبة للناشر العربي الجيد, او يضطر للطباعة في دور نشر مغمورة لا تستطيع تحقيق الهدف الذي لجأ اليها الكاتب من اجله, وهو الانتشار والحضور في المشهد الثقافي العربي. توزيع سيئ ومن جانبه يرى الروائي احمد الدويحي ان حركة النشر داخل المملكة تردت لاسباب كثيرة منها ما هو خاص ومنها ما هو رسمي, حيث يقول الدويحي: لا توجد لدينا دور نشر يعنيها الهم الثقافي فكل دور النشر الكبرى لدينا ليس لا علاقة بالشأن الثقافي الحقيقي, والناشرون اصبحوا زبائن على ابواب الجهات الرسمية يقفون للحصول على مناقصات النشر وطباعة المطبوعات التي تحقق لهم ارباحا قد تتجاوز ثلاثة اضعاف ما يمكن ان يحققه لهم كتاب ثقافي ان وجد, وهؤلاء الناشرون ايضا تغريهم طباعة الكتب الجامعية او الدراسية بشكل عام لانهم يعرفون جيدا ان (الدكاترة) سيفرضون على طلابهم شراء كتبهم, وبالتالي هم لايبحثون عن كتاب ثقافي هامش الربح فيه من وجهة نظرهم سيكون ضئيلا, مع ان شركات التوزيع او الجهات التي تعنى بتسويق الكتاب تحصل على نسبة 50% من قيمة الكتاب, او من قيمة ما يباع منه من نسخ فكيف سيغطي الكاتب تكاليف الطباعة اذا طبع على نفقته الخاصة, وكيف ستغامر دار نشر ذات امكانيات محدودة في ظل توزيع سيئ, وفيه الكثير من المبالغة, وفوق كل ذلك, اين تعب الكاتب, وما الذي جناه بعد سهره؟ هذا على المستوى الخاص اما على المستوى الرسمي فان الاندية الادبية وهي التي يجب ان تدعم صناعة الكتاب الثقافي في الداخل ليست اكثر من (تكايا) يجلس فيها موظفو تلك الاندية وهم غالبا من الموظفين لا من المبدعين وبالتالي هم يتعاملون مع الشأن الثقافي بعقليات الموظفين الذين يبحثون عن الانتدابات والدورات والبدلات . وعن لجوء الكتاب السعوديين للنشر خارج المملكة يقول الدويحي: الطبيعي ان يتم تصدير الكتاب المحلي من الداخل الى الخارج, لكن ما يحدث هو اننا نستورد كتبنا من الخارج, وكأن بضاعتنا قد ردت الينا, هذه جزئية من حالة ثقافية تكوينها خطأ, ولهذا يضطر الكاتب السعودي الى النشر في الخارج, لان طباعته في دور نشر عربية تحقق له الانتشار الذي يبحث عنه وتطرح عمله امام المشهد النقدي بصيغة اكثر اتساعا على المستوى العربي, فدور النشر العربية تلك تشارك في المعارض الدولية للكتب وتقدم الكاتب السعودي بشكل افضل وتفتح امام اعماله الآفاق النقدية التي يحتاج اليها المبدع بالضرورة, واذاكان هناك من يقول ان الكاتب السعودي يبدو كفريسة سهلة امام الناشر العربي. ويتحدث الدويحي عن تجربته في النشر ويقول لم ار نفسي كذلك عندما خضت تجربة النشر في الخارج, ومع ذلك لست مع تزايد الظاهرة لكن على الجهات المعنية بالثقافة مثل الاندية الادبية, وجمعية الثقافة والفنون ان تضطلع بدورها في تفعيل صناعة الكتاب الثقافي السعودي, الكتاب الثقافي السعودي يجب ان يصنع في الداخل, ويتم تصديره الى الخارج, وهذه الجهات يمكن ان تقوم بهذا الدور من خلال وضع انتاجها على خريطة المعارض الدولية, والمشاركة فيها كما تفعل دور النشر العربية الاخرى سواء كانت خاصة ام رسمية, بهذا يمكن للكاتب السعودي ان يحقق حضوره على المستويين: المحلي والخارجي. عناوين ساذجة من خلال نبرة تتغلغل في تفاصيلها المرارة والسخرية, وتكسوها علامات التعجب والاستفهام, ويقول المحيميد: فيما يخص صناعة الكتاب في المملكة اظن اننا نعاني مشكلة مزمنة تتمثل في عدم وجود الناشر والموزع الجيد, فالناشر في الغالب مشغول بكتب اعلامية ودعائية مدعومة, او الكتيبات الصغيرة المجانية او (ام ريالين)! او كتب الفرقعات والعناوين الساذجة, او كتب الطبخ والشعر الشعبي! اما شركات التوزيع فهي تلهث وراء المال والكسب السريع, وذلك بتوزيع الجرائد اليومية والمجلات الملونة, في حين تبقى كتب الابداع والادب والفكر من قبيل البضاعة الكاسدة في نظر هؤلاء الناشرين! اذا وضع النشر في المملكة وضع استثنائي مضحك ، وهذه الحالات العبثية لدى الناشر والموزع تنسحب بالتالي على المطابع التي تنهمك صيفا بطباعة بطاقات الافراح، وفي الشتاء تنتج كراتين الحليب واللبن، والجداول المدرسية! بينما يكون الأديب كمن جاء من كوكب آخر حين يسأل مطبعة ما عما اذا كانت لديهم تجارب في طباعة كتب من قبل. ويضيف المحيميد : هذه المسألة يمكن تشخيص ظروفها، خصوصا في ظل تصريح اكثر من ناشر لبناني وعربي ان افضل معارض الكتب بيعا وكسبا في العالم العربي، هي معرض الكتاب الدولي بالرياض، بمعنى ان هناك قارئا حقيقيا متلهفا على الكتاب الجاد والعميق، ولكنه لايجده الا في مكتبات بيروت ودمشق والقاهرة، ويغتنم فرصة تنظيم معرض دولي للكتاب في الداخل، حتى يتزود بقراءات سنة كاملة مقبلة. ومن هنا - والكلام للمحيميد - تهاجر الرواية السعودية، والكتاب النقدي السعودي ، واعتقد ان هجرة الرواية او الابداع الادبي عموما، والكتاب الفكري والنقدي من المملكة الى البلدان العربية، هو هروب من مأزق الرقابة بالدرجة الاولى، تلك الرقابة التي قتلت اي فرصة معقولة لنشوء ناشر نفرح به، وننافس به الناشرين اللبنانيين والمصريين! اظن ان وجود كثير من كتبنا الادبية في مكتبات الخارج هو وضع كاريكاتوري مؤرق، او لنسمه كوميديا سوداء، أليس هذا القارئ يعد عظيما وهو يتكبد عناء السفر كي يقرأ ما نكتب؟ غياب المعايير ويرى الشاعر د. زاهر عثمان أن حركة النشر تحتل جانبا من الهم الثقافي الأشمل، ولهذا فيصعب بحثها كقضية منفصلة رغم ما يبدو من إمكانية ذلك باعتبارها تعنى بالجانب الممكن لمسه لوضوح عناصره من مؤلِّف وناشر ومُنتج نهائي وما بينها من مراحل. ولا شك أن حركة النشر هي المرآة التي ينعكس عليها الواقع الثقافي رغم أنها تتحمل نيابة عنه في كثير من الأحوال كثيرا من المسئولية وبالتالي كثيرا من اللوم. يتطلَّب الحكم على واقع حركة النشر توافر معلوماتٍ وإحصاءات دقيقة عنها يمكن بها رسم ملامح هذه الحركة ومعرفة توجهات مساراتها. إلا أنه يمكن القول أن حركة النشر قد شهدت انتعاشا جليَّا تمكن رؤيته من خلال ما يملأ أرفف المكتبات من مجلات وصحف وكتب، على الرغم من ظهور أوعية معلومات سمعية وبصرية تجتذب اهتمام شريحة كبيرة من المجتمع. وتختلف الرؤية حين تكون عن الكيف.. ذلك أن كثيرا مما يُنشر يدخل تحت مظلة تحقيق شهوات المتلقي بغض النظر عن المستوى والأثر على الذائقة الثقافية..وهناك العشرات من الصحف التي تدور في فلك واحد كالشعر الشعبي وتسيء إليه بضحالة كثير مما ينشر فيها، ومثلها الكتب التي تتحسس توجهات مجتمعية دينية أو إنسانية.. ليخرج ما لا يُصدَّق أنه يعكس مستوى ثقافتنا.. هنالك مئات الكتب عن الجان وعن الطب الشعبي وعن ..وعن.. ويبدو أن مرد ذلك أن الجانب المادي أصبح يتحكم في حركة النشر بشكل مؤثر ولهذا قل الإنتاج الذي يتجه إلى العقل والفكر مقابل ما يدغدغ المشاعر والعواطف.. ومع أن مستوى الطباعة قد ارتفع من ناحية فنية إلا أن السوق لا يزال يسمح بكثير مما يفسد الذوق العام حتى من ناحية الشكل. ويواصل توصيف حركة النشر إذ يقول تشهد حركة النشر عشوائية واضحة فليس هناك سياسات واضحة تحكمها أو معايير توجهها، ولم يعد هناك ما يفترض من ناشرين معنيين بتبني مشروعات جادة تسهم في انتعاش الحركة الثقافية، ولا يوجد ما يكفي من التنسيق بين القليل من جهود النشر الجادة حتى بين المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية حيث لم يعد غريبا تكرار الموضوعات من جهات مختلفة.. وعن تطلعاته الخاصة بحركة النشر يقول: تتوسع حدود حركة النشر مع تعدد الوسائط التي تنقل المعلومات وتطورها. وبالرغم من أهمية تلك الوسائط ودورها المهم في نقل المعرفة والثقافة واعتبارها جزءا مما تُعنى به حركة النشر، إلا أني أحمل كثيرا من الثقة في أن النشر المكتوب سيظل لفترة طويلة القناة الأكثر شيوعا، وهذا يجعلني أكثر حرصا على التنبيه إلى أهمية النظر بعمق إلى آثار الوسائط التقنية الأخرى على هذا النوع من النشر وأهمية الارتقاء به. ويرثي د. زاهر عثمان حال القراءة المتولدة من حركة النشر ويصفها بالانحدار ويقول: لا يزال الكتاب يحتل لدينا جزءا كبيرا من العاطفة. إلا أن ذلك لا يكفي. ويبدو أننا ننحدر كأمة أكثر وأكثر في الابتعاد عن القراءة.. هاهو معرض فرانكفورت للكتاب يُكرِّم الكتاب العربي باختياره إطارا للمعرض القادم.. ومازالت الدول العربية تُبرز إلى السطح كثيرا من عقدها الثقافية والتي حدت بمسئولي المعرض مذهولين إلى تقليص حجمه مع ما ظهر من عدم قدرة على التفاعل معه وإدراك أهميته كأحد أهم معارض الكتاب على المستوى العالمي. أتطلع حالما إلى قيام دور النشر والمؤسسات الثقافية المعنية بلعب دور أكثر تأثيرا من خلال تقديم إنتاج يضيف إلى الساحة الثقافية جديدا ويتعامل مع توسع الأفق المعلوماتي للمتلقين. كما أتطلع إلى وجود سبل تدعم حركة النشر لعل من ضمنها تفعيل ما كانت تقوم به وزارة الإعلام من مساندة مادية للمؤلفين والناشرين، على أن ذلك يجب أن يكون في أطر تقويمية فاعلة وأن تكون هناك خطة توزيع لتلك الإصدارات على المؤسسات التعليمية والثقافية داخل المملكة وخارجها. ويختتم مداخلته بما بدأ به من عدم إمكانية توقع حركة نشر قوية وفاعلة دون تحسين الجو الثقافي العام، وتطوير مناهج التعليم بما يجعل القراءة ناتجا مع النجاح، وتنمية الوعي العام بفهم أدق للعالم بيننا وحولنا. كتب إرشادية اما الشاعر يحيى الأمير، فيرى ان صناعة الكتاب الثقافي، وحركة النشر الثقافي بشكل عام داخل المملكة، اذا ما قورنت بالبلدان العربية الاخرى فسنجد انها متردية بشكل كبير ويقول : الطباعة داخل المملكة تتحرك في جهتين، اما ان يطبع الكاتب لدى مؤسسة رسمية، واما ان يطبع بشكل خاص، الطباعة بشكل خاص غالبا ما تكون في دار منزوية، حيث لا توجد عندنا دور نشر كبيرة. وبالنسبة لدور النشر الاخرى التي تهتم بطباعة الاعمال الثقافية ، فهي دور منزوية وفقيرة وغير منتشرة، وقدراتها قد لا تحتمل كلفة طباعة كتاب واحد، وهذا يعود الى ان سوق الكتاب الثقافي في الداخل، سوق غير مكشوف وغير واضح، وطباعة كتاب ثقافي يطرح لدى هذه الدور الضعيفة الكثير من علامات الاستفهام مثل : هل سيسوق هذا الكتاب اولا يسوق ، وقبل هذا هل سيجاز ام لا يجاز، هل ستعود طباعته بمشاكل على الدار ام لا، اما الجانب الآخر، وهو لا يقل رداءة وسوءا فيتمثل في الطباعة لدى المؤسسات الثقافية، وباطلالة على اي مستودع في اي ناد ادبي سنجد عشرات، بل مئات الاسماء التي نعرفها ولانعرفها كتبها مكدسة في المخازن، ومتروكة وليمة دسمة للفئران تأكل منها، ويستدرك الأمير بقوله ربما يحدث تعاون شكلي في توزيع بعض تلك الكتب، كأن يرسل اي ناد ادبي انتاجه الى ناد آخر، لكن الامر ليس اكثر من مجرد تبادل مستوعات، فالكتب تأتي من مستودع هناك لتستقر في مستودع هنا، هذه هي حال صناعة الكتاب الثقافي لدينا، بشقيها الرسمي والخاص، اضافة الى اشياء اخرى مثل المكتبات التي لا تحقق اهدافها التجارية الا من خلال كتب مثل : احذري الهاتف يا فتاة الاسلام! ومسألة اصدار كتاب ثقافي تحتاج الى الكثير من العناء، في المراجعة كأنك تراجع لاستخراج جواز سفر، او للحصول على قرض من البنك الزراعي. وحول الجزء الآخر من سؤالنا حول النشر في الخارج يقول يحيى الأمير : كل الاسباب التي ذكرتها في الجزء الاول من السؤال هي دوافع للنشر في الخارج، فالكاتب الذي يبحث عن سوق حقيقي، وعن نشر حر وغير مقيد، وعن تحقيق رواج لاعماله، يلجأ للطباعة في الخارج، لان الاوضاع الداخلية مثل كساد سوق الكتاب الثقافي، والرقابة، وعدم وجود دور نشر معنية بالكتاب الثقافي، كلها امور تجعل الطباعة في الداخل مجازفة بالنسبة للناشر والكاتب ايضا، كانت بعض الوزارات تقتني نسخا من الكتب الثقافية، وكان ذلك يسهم في تغطية تكاليف الكتب، لكنها الآن لم تعد تفعل ذلك، اذا لاتوجد مغريات للطباعة داخليا، ولك ان تذكر لي دار نشر سعودية واحدة يمكن ان تبحث عنها داخل معارض الكتب العربية فتجدها، لاتوجد دور في واقع الامر، ولا يعلق بذاكرة اي منا اسم دار نشر نبحث عنها عندما نذهب للمعارض فنبحث عن دور نشر مثل : الساقي، او المؤسسة العربية للنشر، او الأوائل، او الكنوز الادبية، لكن تظل هناك معضلة كبيرة في الحالتين، حالة النشر في الداخل، وحالة النشر في الخارج، فالكاتب اذا طبع في الداخل سيحقق انتشارا داخليا، لكنه سيبقى معزولا عن المحيط الخارجي، واذا نشر في الخارج سيحقق انتشارا عربيا، ويظل معزولا عن الداخل، وتهرب كتبه الى الداخل كما تهرب (حبوب الكبتاجون) وليس صحيحا ان سعر الكتاب جزء من مشكلة عدم رواج الكتاب الثقافي، فكتاب (حكاية الحداثة) للغذامي يباع بثمانية وعشرين ريالا، بينما هناك كتب عن الطبخ والتجميل اسعارها تتجاوز المائة ريال. تفاؤل ويقول الناقد والقاص ناصر الجاسم: لقد بدأ نظام المطبوعات والنشر في المملكة العربية السعودية منذ صدوره حتى سنين قليلة خلت ملائما جدا للمناخ الثقافي في الوطن ومحافظا على الامن الفكري وضابطا للامن الاجتماعي ومحققا للخصوصية السعودية التي عرفنا الآخرون بها لسنوات طوال، ومراعيا للتعددية الثقافية في الوطن ومتسقا مع واقعنا الاجتماعي من حيث اننا مجتمع ديني قبلي محافظ يكثر فيه الانغلاق ويقل فيه الانفتاح او يكاد ينعدم، ولكن هذا النظام رغم مثاليته فهو ضد الطبيعة الانساني، وقاس جدا على الذهنية الابداعية لافتقاره الى المرونة، والى التجديد، والى المراجعة المستمرة التي تراعي التطور التكنولوجي الانساني، ولان القائمين عليه والعاملين به والمتمشين مع لوائحه صاروا نظاميين اكثر من النظام نفسه، فكانت النتيجة ازدهار حركة النشر الادبي في الداخل وغياب الانتاج السينمائي في الداخل ايضا، مما جعلنا كمؤسسات ثقافية سعودية متخلفة كثيرا عن باقي المؤسسات الثقافية في العالم في حين بقينا كأفراد مثقفين نمتلك طاقات ابداعية ادبية وفنية غير مستثمرة في الداخل بسبب نظام المطبوعات والنشر الصارم القاطع. بعد هذه المقدمة التي يراها الجاسم ضرورية قال بعدما بدأنا نستشعر الحاجة الى اصلاحات ادارية، ونقر بوجود فساد في المؤسسات الثقافية وغيرها، وصرنا نتحدث عن ضرورة اصلاح ثقافي شامل، وابتدأ لدينا الوعي بالسياحة الثقافية، والسياحة الفندقية، والسياحة الرياضية، والسياحة الدينية يكبر ويتنامى ويحقق مكاسب اقتصادية واجتماعية ونفسية لابأس بها. ويبدو الجاسم متفائلا بقدوم حركة نشر ادبي في البلاد، مشيرا الى ان طوق الرقابة المتين الخيوط سينفتل، وان الرياضوجدة والدمام ستصبح عواصم نشر عربية لا نقل شأنا عن بيروت وبغداد والقاهرة والرباط ودمشق، وفسر هذا التفاؤل بقوله اتفاءل الى هذا الحد عطفا على المتغيرات الايجابية التي يشهدها الوطن في مجالات عدة، وعطفا على الانفتاح المتأمل ازدياده ، وعطفا على جاهزية المناخ التجاري لدينا في الوطن حيث المطابع الكثيرة واسعار الورق المعقولة، وكذلك اسعار الاحبار، ووجود العمالة الوطنية المدربة من الفنيين في الطباعة والاخراج والصف الالكتروني.. ألخ، والاهم من ذلك كله وجود عدد كبير من الادباء السعوديين جل انتاجاتهم الادبية مخطوطة، ووجود عدد من الادباء السعوديين لايثقون بالنشر خارج المملكة بعد تجارب خاضوها فخدعوا فيها وخسروا! لاتوجد حركة نشر ويبدأ القاص والكاتب المسرحي عبدالعزيز الصقعبي مداخلته بالتساؤل من خلال أمنية يقول فيها كنت أتمنى أن يكون هنالك سؤال حول حركة النشر ، هل توجد حركة نشر في المملكة، بصراحة أقول ..لا.. للأسف لا توجد حركة نشر في المملكة. وبعكس الجاسم فالصقعبي متشائم جدا من حركة النشر ويقول : ان ما يصدر عن دور النشر المختلفة والأندية الأدبية ممارسات عشوائية ،ودعوني أحدد أهم الملاحظات حول ما ينشر في المملكة، فمن حيث المضمون فغالباً لا نجد ضوابط لما ينشر فأحياناً نجد بعض الكتب والتي للأسف تحقق مبيعات كبيرة وهي مجرد تجميع من مقولات وإستشهادات و طرائف ونوادر جمعها المعد من أمهات الكتب العربية والكتب التراثية ، وهنالك بعض الكتب التي تنشر بعيداً عن المنهج العلمي "وربما سبب ذلك عدم وجود مجلس أعلى للثقافة والفنون والآداب" لذا فغالباً تكون أفكار تلك الكتب ضحلة لا تفيد القارئ، نأتي إلى جانب آخر وهو ما استنته بعض دور النشر من التركيز على طباعة كتب التوعية والإرشاد أملاً في أن يتبرع أهل الخير بشراء أكبر قدر من تلك الإصدارات بأمل الكسب المادي، إضافة إلى أن هنالك بعض دور النشر التي وجدت أمور النساء والعلاقات العاطفية والأسرية وأمور الطبخ وسيلة لترويج إصداراتها فاتجهت إلى العناوين الصارخة لإصداراتها وحققت حضوراً في الأسواق، نأتي لشكل الإصدار من المؤكد أن صدور نظام الإيداع في مكتبة الملك فهد الوطنية وإصدار بيانات الفهرسة أثناء النشر ساعد في وضع بيانات كانت جميع الإصدارات السعودية تفتقر لها ومنها رقم الإيداع والرقم الدوري المعياري للكتاب إضافة وهو الأهم تصنيف الكتاب لمعرفة موضوعه، ورغم وجود تلك البيانات لكن ثمة خلل في صناعة الكتاب وتحديداً في الشكل ، فهنالك كتب من المفترض أن تأخذ الحجم الصغير مثل الدواوين الشعرية تكون كبيرة الحجم والعكس كذلك إضافة إلى استخدام الورق الصقيل المتعب للنظر والثقيل، ولكم أن تتصفحوا الإصدارات العالمية في مجالات القصة والرواية وقارنوها بما تصدره المؤسسات الثقافية في المجال ذاته فستجدون الفرق الكبير والمحزن للجميع، طبعاً نجد الأخطاء اللغوية والإملائية والمطبعية ونجد الصور والأغلفة التي قد لا يكون لها علاقة بموضوع الكتاب عموماً إخراج الكتاب فن خاص لا يعيه جميع القائمين على النشر في المملكة وللأسف لم يتأثروا مطلقاً بتجارب بعض دور النشر وبالذات اللبنانية، ومن أهم الملاحظات قضية التوزيع حيث لا قيمة مطلقاً لنشر الكتاب إذا لم يصل ليد القارئ، و قضية التوزيع مشكلة أزلية في المملكة ، فهنالك الكثير من الكتب التي تصدر عن المؤسسات الثقافية تبقى أسيرة المستودعات لسنوات وإذا تقرر توزيعها فيتم ذلك بصورة عشوائية وغالباً تعطى لمن لا علاقة له بالقراءة أصلاً، وإذا قرر أي كاتب أن يصدر الكتاب على حسابه الخاص وبالذات إذا كان عملاً إبداعياً فعليه أن يدفع لشركات التوزيع تأميناً فغالباً سيكون مداناً بسبب تكلفة الشحن التي تقتص من مبيعات الكتاب والنسبة التي قد تتجاوز نصف قيمة بيع الكتاب إضافة إلى النسبة العامة والخاصة و ما يصيب كتبه من تلف بسبب سوء العرض والشحن والحفظ، أمور محزنة تجعل حركة النشر ( إذا سلمنا أن هنالك حركة) سيئة . على أن هذا التشاؤم الذي أراد له أن يكون مخففا بعبارته الاخيرة جعله يضيف قوله: إذا تجاوزنا سوداوية واقع النشر في المملكة للبحث عن بقعة ضوء نجعلها منطلقاً للتفاؤل، فمن المؤكد أننا نعول أمرنا على خطوات وزارة الثقافة والإعلام المستقبلية لاسيما أنها في بداية المراحل الأولى للإشراف على الشأن الثقافي في المملكة، في البدء لابد أن يكون هنالك مجلس أعلى للثقافة والآداب ، ولابد أن يكون هنالك هيئة خاصة بالكتاب، وقبل كل ذلك مراجعة آلية رقابة المطبوعات بحيث تتم إتاحة الفرصة لأي إصدار جيد إذا لم يمس المسلمات ، ثمة أمور أخرى وهي سرعة البت في إنشاء شركة وطنية لتوزيع الكتاب يكون لها منافذ ومواقع في كل مكان حتى يصبح الكتاب في يد كل محب للقراءة، أما في مجال النشر وفيما يتعلق بطباعة الكتب فمن المهم أن يكون هنالك وعي بصناعة الكتاب بحيث تتم طباعة الكتاب بصورة جيدة ليس فيها مبالغة في استخدام الورق أو شكل الغلاف أو حجم الكتاب، وأخيراً أن يكون هنالك دعم لكل مشروع يعنى بالقراءة ومن ضمنها المشروع الوطني الثقافي لتجديد الصلة بالكتاب والذي تشرف عليه مكتبة الملك عبد العزيز العامة والذي صدرت الموافقة السامية على تنفيذه. بيروقراطية وفضل القاص عبدالله الوصالي أن يتحدث عن البيروقراطية المتصلة بالنشر ويقول الإنتاج العربي للكتاب ، كما يقول تقرير التنمية الإنسانية العربية لسنة 2003، متدن إلى حدوده الدنيا بالنسبة لحجم السكان مقارنة بالدول الأخرى. حركة النشر ،في أي مجتمع، هي حلقة من عدة حلقات تتأثر ببعضها. ومن الحلقات المؤثرة في عملية النشر الاستهلاك للكتاب لدى المستخدم الأخير أي القارئ. و هذه الحلقة ، بدورها، تتأثر بمستوى الأمية في المجتمع. ويعتبر الكتاب الذي يبيع ( 5000) نسخة اكثر الكتب رواجاً بين مستهلكين مفترضين يبلغ عددهم (270) مليونا هم عدد سكان العالم العربي.و بمقارنة بسيطة برواية (هاري بوتر) الأخيرة الذي فاق المليون نسخة نجد الفجوة الكبيرة بين الحالتين. الأندية الأدبية وعن تطلعاته يقول الوصالي إن وجود المستهلك للكتاب هو الذي سيضخ الروح في عملية النشر سواءً التي يقوم عليها القطاع الخاص أم تلك المدعومة من قبل المؤسسات الحكومية كالأندية و الجمعيات. وحتى نصحح المعادلة يجب أن يتم تطوير النظام التربوي بحيث تزاد حصص القراءة و المطالعة في المدارس للتراث الأدبي العربي الحديث. مع وجود أمثلة من الإبداع المحلي المعاصر يتم تشريحها والتدرب على فهم الدلالات اللغوية. كأن تعطى قصة ما إلى الطلاب يطلب منهم كواجب منزلي أن يحضروا في اليوم التالي ما فهموه من القصة. بمثل هذه الممارسة ستنمو لدى الطلاب ملكة النقد والتذوق. هذا هو حلمي، يجب أن نبدأ من القاعدة. ثم أتمنى أن يتلاشى هذا الحذر التقليدي من الكتاب لأن الأفكار في زمن (النت) والفضائيات أصبحت الآن عابرة للحدود. واصبح الرقيب بمقصه المثلوم حالة كوميدية.