أجد الذاكرة هذه الأيام والعيون تستحضر عام 2006 بقوة، ذلك التاريخ الذي سجلت فيه دول شرق آسيا وتحديدا ماليزيا زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز- طيب الله ثراه- كأول زيارة لملك سعودي لماليزيا في وقت رئاسة عبدالله بدوي رئيس الوزراء الأسبق منذ أن زارها الملك فيصل- رحمه الله- في يونيو عام 1970م، الذي قال عند الزيارة: «إنكم يا خادم الحرمين الشريفين تزورون ماليزيا ليس فقط كملك أو خادم للحرمين الشريفين ولكنكم تزورون ماليزيا كقائد مسلم مهم بالنسبة لنا وللعالم الاسلامي»، تلك الزيارة التي وثقت الصلات الثنائية بين البلدين وعززت العلاقات التجارية والعلمية والتاريخية، وأثمرت- وما زالت- نتائج ملموسة إلى اليوم، وسيسجل عام 2017 فتح نوافذ جديدة بين المملكة ودول شرق آسيا واستكمالا لرؤية تخطط لها المملكة تماشيا مع رؤيتها 2030، إذ تعد زيارة الملك سلمان- حفظه الله- لدول شرق آسيا مبدوءة بماليزيا وإندونيسيا ثم سلطنة بروناي والصين واليابان رسالة مهمة للعالم، والتفاتة عين ثاقبة لأهمية دول شرق آسيا، وتقوية للتعاون المشترك، من هنا تعتبر زيارة الملك سلمان إلى ماليزيا حدثا تاريخيا. ولعل تواجدي الحالي بماليزيا للتفرغ العلمي بالجامعة الإسلامية العالمية ما زال يوقفني على الحراك الإعلامي والدبلوماسي الذي ينشط استعدادا لهذه الزيارة، والاستعدادات من سفارة المملكة وسفيرها الأستاذ فهد الرشيد، والملحقية العسكرية والثقافية والتجارية والدينية لاستضافته- حفظه الله- في أول زيارة رسمية له وعيونه تنظر لأفق استراتيجي لمكانة التعاون معها مستقبلا، والتي قلد ملك ماليزيا فيها خادم الحرمين الشريفين وسام التاج أعلى الأوسمة في ماليزيا، وأجد حرفا شعريا معهم يسابق العين فرحا لأقول: جاءت حروف معي تستنطق الهمما تقول سطر من الأشعار لي حكما تقول ماذا أسطر في سلمان منهجه دربٌ من الفخر عدل جاوز القمما فمنذ الستينيات دون التاريخ بداية العلاقات الدبلوماسية بين المملكة ومملكة ماليزيا، وذلك بفتح السفارات بين البلدين مطورة أوجه التعاون الثنائي الذي يشهد تطورا، فالسنوات الماضية شهدت توقيع عدة مذكرات تفاهم واتفاقيات في مجال التعاون الاقتصادي والتعليمي والعسكري، واليوم هدفت الزيارة إلى توطيد العلاقات بمد جسور جديدة من التعاون المتبادل، والتأكيد على الاتفاقيات الماضية بين البلدين في شتى المجالات، وألفت النظر لأفق علاقات استراتيجية وتاريخية قادمة، فعلى الرغم من البعد الجغرافي بين البلدين إلا أن أواصر العلاقات الثنائية تزداد متانة بمرور السنين، فالتعاون العسكري اليوم يشهد مجالات من التعاون المثمر، أثمر بفتح أحدث ملحقية عسكرية سعودية تمثلت بجهود الملحق «العقيد البحري الركن حسين القيمع»، وإنجازاتها المحققة لقفزات في أوجه التعاون نجحت بتبادل الخبرات من خلال دورات تدريبية مكثفة، ودورات الأركان، والدفاع الوطني وبرامج نوعية تهم الأمن الوطني، بالإضافة لمشاركات المملكة بخبراتها العسكرية في معرض التسليح الذي تعقده الحكومة الماليزية سنويا باستضافة كبريات الشركات العالمية المتخصصة بمجال تجارة السلاح والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، خاصة والعالم الإسلامي يثق ويتكئ على وزن المملكة إسلاميا وعالميا. أما العين الأخرى فتتمثل في توثيق المشتركات الدينية ودعم متعلمي اللغة العربية، من هنا قامت المملكة بدورها المعهود بماليزيا وإندونيسيا تحديدا لما تشكله إندونيسيا خاصة من أهمية استراتيجية خاصة في العالم الاسلامي، وحليف إسلامي قوي في آسيا كونها البلد الأول من حيث عدد السكان، وما المعاهد والمدارس المختلفة في أرخبيل الملايو، وافتتاح معهد العلوم الإسلامية واللغة العربية بجاكرتا إلا تأكيد لدور المملكة الريادي في ذلك، وسد لمنافذ التوغل المضاد، بالإضافة إلى ما تتمتع به إندونيسيا كونها أكبر جالية للحجاج سنويا، وعلاقات تجارية وثيقة، ففي العام الماضي بلغ حجم التبادلات التجارية بين البلدين ما يزيد على 11 مليار ريال تضمنت الكثير من الصادرات الطبيعية والصناعية كالمواد البتروكيماوية من النفط والغاز وصناعات المنسوجات وعقود الخدمات، كل ذلك شواهد عملية تضع لهذه الزيارة ثقلا أكبر ومستقبلا أوثق، لذا يتنبأ المراقبون لحصد ثمار كبيرة لهذه الزيارة التي تحقق ريادة وثقلا سعوديا قادما ومزيدا من الحلفاء، ونظرة عين إستراتيجية استباقية للملك سلمان- حفظه الله.