في نهاية القرن ال (18) وبداية القرن التاسع عشر بسطت بريطانيا العظمى سلطتها على حوالي ربع سكان العالم، وحوالي ربع مساحة الكرة الأرضية، وغيرت ملامح العالم، وحولت مسار التاريخ، ووصلت إلى أقصى اتساعها الامبراطوري في الحرب العالمية الأولى، التي خسرت فيها أكثر من (800) الف جندي، حتى قيل عنها: انها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. اليوم تعاني بريطانيا غزوا ليس فيه مشانق ولا سجون، وفي الوقت ذاته، لا تستطيع منعه أي قوة عسكرية أو سياسية، ولا حتى القوات المسلحة الملكية البريطانية بعدتها وعتادها.. انه الغزو (الزهايمري) نسبة الى مرض (الزهايمر)، ذلك اللغز الذي حير الكثير من العلماء حول العالم، وسمي لغزا، لأنه لا يوجد- حاليا- علاج له. بدأ مرض (الزهايمر) يغزو بريطانيا، كما بدأ يغزو العالم، فبحسب منظمة الصحة العالمية إن (الزهايمر) يؤثر بالفعل على أكثر من (800) ألف شخص في بريطانيا، كما يؤثر على أكثر من (35) مليون إنسان حول العالم، وتقول احدث الدراسات ان ثلث من ولدوا في بريطانيا عام 2015 سيصابون بمرض (الزهايمر)، فما هو (الزهايمر) الذي بدأ يغزو بريطانيا والعالم؟ إنه خرف الشيخوخة، الذي اكتشفه الطبيب الألماني ألويس الزهايمر، في عام 1906، وهو ينجم عن أمراض المخ، ويصيب الخلايا العصبية بالتآكل، ويسبب تراجع الذاكرة ويؤثر على التفكير والسلوك، ويزداد مع تقدم العمر، وأسوأ ما يحدث لمرضى الزهايمر هو فقدان الحميمية وعدم تذكر أقرب الأقرباء، ومن أشهر من أصيبوا بهذا المرض الرئيس الامريكي الاربعون رونالد ريغان، والفنان الكبير عمر الشريف، ويرى بعض العلماء ان مرض الزهايمر ناجم عن مزيج من عوامل وراثية وعوامل اخرى غير وراثية، وقد جاء في قوله تعالى «واللهُ خلقكُم ثُم يتوفاكُم ومِنكُم من يُردُ إِلى أرذلِ العُمُرِ لِكي لا يعلم بعد عِلمٍ شيئا إِن الله علِيم قدِير». يقول خبراء التعامل مع المصاب بالزهايمر، حاول أن تمنحه الثقة وتجعله يعتمد على نفسه، ولا تجعل عاطفتك تدفعك للقيام باعماله بدلا عنه، لأنك إذا اعطيته هذه الفرصة فإنك تمنحه الشعور بقيمته، مع مساعدته عند الضرورة بين الحين والآخر، وتذكر أن المصاب بمرض الزهايمر ربما يعاني الضيق بسبب فشله في القيام ببعض المهام الخاصة التي كان يعملها قبل اصابته بالمرض، وقد يحتاج إلى الطمأنينة والدعم العاطفي بواسطة التحدث معه ورفع معنوياته. إنني أشفق على البريطانيين المصابين بالزهايمر، لأن هذا المرض اللئيم سيمحي ذاكرتهم، وسينسون أن بلادهم قادت الثورة الصناعية في القرن ال (18)، وسينسون أن بلادهم تحتل المرتبة 18 عالميا في توفير الرعاية الصحية، وأن بلادهم تنفق أكثر من (8%) من ناتجها المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية، وأن لها الفضل الكبير في الابحاث العلمية التي كانت حصتها منها (88%)، كما سينسون كل تاريخ الامبراطورية بحسناته وسيئاته، وسينسون تاريخهم الاستعماري المرتبط بتجارة الرقيق، واتفاقية (سايكس بيكو) المخجلة، ونظرية داروين التطورية، وجاذبية نيوتن، وكهرومغناطيسية جيمس كلارك، وبنسلين الكسندر فليمنغ، وهاتف ألكسندر غراهام بيل، وتلفزيون جون لوجي بيرد، كما سينسون شبكة تيم بيرنرزلي العالمية World Wide Web، وسينسون شاعرهم شكسبير، والروائي تشارلز ديكنز، وأغاني التون جون والبيتلز، وافلام تشالي شابلن والفريد هيتشكوك، وجيمس بوند، وربما ينسون قصص هاري بوتر، وسيمفونية بي بي سي، وجوقة لندن، وقد ينسون رموز السياسة ك ونستون تشرشل، ومجلس العموم المنتخب، ومجلس اللوردات المعين، وليس هذا فحسب، بل قد ينسون أن اسكتلندا تحتوي على ما يقرب من 800 جزيرة، وينسون جبال (مورن يث) التي يصل ارتفاعها الى أكثر من (800) متر. ألم تلاحظ– عزيزي القارئ– ان الرقم (8) ومشتقاته– إن صح التعبير- تكرر أكثر من (8) مرات في هذه المقالة؟، الم تلاحظ هذا الارتباط العجيب بين هذا الرقم وبريطانيا العظمى؟ لقد اذهلني هذا الارتباط، وقمت بالبحث مجددا عن ارتباطات أخرى، فوجدت ان حوالي 80% من سكان بريطانيا من البيض، وأن المسيحيين يمثلون حوالي 80% من السكان، وأن حوالي 8% من المسلمين في بريطانيا من أصل أبيض، ويشكل غير محددي الديانة 8% من السكان، وأن الافريقيين السود يشكلون حوالي (0.8%) من السكان، وأن الجماعات التي تنتمي الى عرق مختلط تشكل (8%) من السكان، وان أكثر من (80%) من سكان المملكة المتحدة يستخدمون الإنترنت. لعل في تكرار الرقم (8) هنا ما يحفز اصدقاءنا البريطانيين المصابين بالزهايمر ويساعدهم على تذكر أمجادهم، ولعلي– ايضا- أسهم بهذه المقالة في تحفيز ذاكرة الذين على وشك الاصابة ب (الزهايمر) من غير البريطانيين، فربما تساعدهم المعلومات المرتبطة بالرقم (8) على التذكر وتؤجل مفعول هذا المرض إلى حين.