يبدو أن بعض الشعراء ما زالوا يصرون على التشبث بالدخول في حروب يحلو لي وصفها بالدونكيشوتية، أو الدونكيخوتية (إذا ما تحرينا الدقة في اللفظ)، فيما يتصل بالحروب المفترضة أو المفتعلة بين الأشكال الشعرية المختلفة التي يُصور بعضها بوصفه نقيضًا لبعضها الآخر. شعراء العمود أو شعراء القصيدة الكلاسيكية، أو شعراء قصيدة الشعر (في معارضة لفظية ودلالية لقصيدة النثر) من جهة، يرون أن شعراء قصيدة النثر قد أفسدوا الشعر، وأنه لا علاقة لما يكتبونه بمفهوم الشعر الحقيقي حسب فهمهم واستيعابهم وتذوقهم له. ومن جهة أخرى، يرى شعراء قصيدة النثر أن شعراء القصيدة التناظرية أو الكلاسيكية، وشريحة كبيرة من شعراء قصيدة التفعيلة أصبحوا أبعد ما يكونون عن الشعر وفق مفهومه الحديث المحطم للأطر التقليدية والمتمرد عليها. لا يرى المؤمنون بالقصيدة الكلاسيكية إمكانية تحقق الشعر خارج إطارها، كما لا يرى شعراء قصيدة النثر إمكانية كتابة نص شعري حقيقي في ظل التشبث بالشكل التقليدي للقصيدة، فهذا التشبث بالشكل التقليدي سيقود الشاعر، من حيث يشعر أو لا يشعر، لتقليد سابقيه من الشعراء. من جهتهم، يتهم شعراء القصيدة الكلاسيكية شعراء قصيدة النثر بالتقليد أيضًا، ولكن هذه المرة، تقليد الشعراء الغربيين الذين أخذنا منهم نحن العرب مفهوم قصيدة النثر، وإن كان الحديث مقتصرًا على الإطار المحلي، فيدخل في هذا السياق أيضًا تقليد الشعراء العرب من دول ما كان يعرف بالمراكز الثقافية كالعراق ولبنان على وجه التحديد. الحقيقة البسيطة التي يجب أن يدركها الدونكيشوتيون من كلا الطرفين أن الشعر الحقيقي يمكن أن يوجد في كلا الشكلين (دون أن ننسى قصيدة التفعيلة التي تقف في منتصف المسافة بينهما)، بل في كل الأشكال. أيها الشعراء: دعوا الخليل بن أحمد وساره برنار يرقدان في قبريهما بسلام!