لا تزال قصيدة النثر تجاهد من خلال شعرائها السعوديين والعرب لإثبات وجودها وتجاوز كل الاتهامات التي أحيطت بها. واعتماد طرائق أرحب في التعبير والتعامل مع التجربة الشعورية، من خلال تجاوز طوق القيود النظمية، ومصادرة تعقيداتهما والخروج على اللغة الشعرية التقليدية وخرقها. ويسعى شعراء مجيدون لهذا الفن إلى تحقيق إنجازات فنية أكبر على مستوى التحديث والتقانة اللازمة لهذا النص المكثف القائم على الومضة. مع اعتراف كم منهم بالتأثر بالمترجم من الشعر الغربي دون مواربة ولا خجل، كون التجارب الإبداعية تقوم على التأثير والتأثر. فيما يتحفظ النقاد على بعض التجارب كونها لم تخرج من دائرة المحاكاة. ويؤكد الشاعر علي بافقيه تأثر الشعر العربي المعاصر بالشعر الغربي منذ بداية التجديد ومنذ رواد شعر التفعيلة، مثل السياب وأدونيس، ويرى أن الآباء تأثروا بالقصيدة الغربية وليس بالترجمة. ويضيف بافقيه أن التأثر بلغة المترجمين حدث عند بعض كتاب قصيدة النثر في البدايات. ولهذا فإن الشعر المترجم كان له دور في التعرف على قصيدة النثر. ويبدو الآن أن قصيدة النثر العربية قد تجاوزت أثر الترجمة والمترجمين وشقت طريقها إلى لغة متفردة وجديدة. لافتا إلى أن الكتابات المتأثرة بلغة الترجمة والمترجمين لم تصمد لأن قصيدة النثر تجاوزت المقلدين بشعراء موهوبين. قال الشاعر عبدالله ثابت: «بلا شك تأثرت، وهذا جميل وليس عيباً، قولاً واحداً». ويذهب ثابت إلى أنه من خلال التجربة هناك تراكم رائع على الورق، بداخل المجموعات، وبين دفات الكتب، أما وجودها فلا حضور يُذكر لها لا في منابر المؤسسات الثقافية، ولا في المجتمع. لقد كانت شجاعة متقدمة وسابقة أن يمنح نادي الطائف الأدبي جائزة الثبيتي لشاعر قصيدة نثر (أحمد الملا). يمكن اعتبار هذا أول اعتراف، والوحيد حتى الآن. الشاعر محمد خضر يرى أن التأثر قائم، لأن المُترجم للشعر يختار الشكل النثري ويصبح هناك تشابه ويُعتقد أنه تأثر. وأضاف: «ماذا لو عكسنا السؤال وقلنا تأثر أسلوب الترجمة بقصيدة النثر؟ ربما هذا أيضاً أحد أوجه التشابه». مشيرا إلى أن هناك تجارب لا شك متأثرة بالقصيدة المترجمة وعوالمها هذا لا بأس شريطة أن يفيد من الشكل ويشرع في الكتابة ملتصقاً بعوالمه هو بدءا من المكان، والثيمات، والفضاءات.. ويرى خضر أنه قد يترجم النص من لغة أخرى وهو نص كلاسيكي أساساً وربما مكتوب بلغة غير مناسبة اليوم وبعيدة كذلك عن رؤية قصيدة النثر إلا أن القالب الذي ترجم به المترجم جعلها تبدو شبيهة بالقصيدة الجديدة، أعني من ناحية الشكل ولربما المضمون، كما نقرأ قصائد إليوت ووالت ويتمان وغيرهما ممن لهم قصائد متطورة وحديثة في ترجمة وكلاسيكية وتقليدية في ترجمة أخرى. وترى الناقدة والشاعرة فاطمة ناعوت أن قصيدة النثر، شأنها شأن كل فن، تحوي الجيد والرديء. وتؤكد أن إشكالية قصيدة النثر في العالم العربي أنها أُدرجت في مسار صراع تعالق مع طبيعة البنية الفكرية العربية، اجتماعيا وسياسيا ودينيا. مشيرة إلى أن هذا الصراع بلغ حد الاختلاف حول المسمى والمصطلح، ما دفع بالشعراء والنقاد إلى الغرق في السجالات والتراشق في محاولة إما لانتزاع مشروعية لهذا اللون الجديد، وما هو بالجديد، أو للكفاح من أجل وأده واستئصاله قبل أن تتفاقم خلاياه المريضة شأن الجراح مع الوباء السرطاني. وأضافت بأن تلك السجالات صرفت المبدعين عن تطوير مشروعهم من أجل الخلوص إلى قصيدة نثر تحمل ملامح مميزة على المستوى العربي والعالمي. أوضح الأكاديمي الناقد الدكتور صالح معيض الغامدي أن قصيدة النثر بمفهومها الاصطلاحي المتعارف عليه الآن جنس أدبي دخيل في اللغة العربية، وهو من الأجناس الأدبية المترجمة، والترجمة مكون رئيس فيه سواء على مستوى الجنس الأدبي عامة أو على مستوى النصوص الشعرية الفردية، وكثيرا ما تحضر تفاصيل الحياة الغربية وصورها بكثرة في بعض النماذج العربية. مشيرا إلى أن محاولة تأصيل هذه القصيدة في التراث مضيعة للجهد والوقت، كون النصوص العربية النثرية القديمة التي شاركت الشعر في بعض سماته لا صلة لها بقصيدة النثر الحديثة على الإطلاق. مبديا تحفظه على من يستسهل كتابة هذا الجنس الأدبي في بلادنا. مؤكدا أن المجيدين فيه قلة.