قال ابني ليس ابني!! قلت له: ماذا تقصد؟ قال: كلامه مختلف عن كلامي وأفكاره مختلفة عن أفكاري ولباسه مختلف عن لباسي وطعامه مختلف عن طعامي وحتى ذوقه مختلف عن ذوقي. قلت له: دعنى أسألك بعض الأسئلة، هل أدخلته مدرسة خاصة أجنبية؟ قال: نعم، قلت: هل لديه أصدقاء أجانب في المدرسة؟ قال: نعم، قلت: هل لديكم خادمة بالبيت كانت تتابعه وتلعب معه وتطعمه وتلبسه؟ قال: نعم، قلت: هل كنت أنت وأمه مشغولين عنه؟ قال: نعم، قلت: هل حدثته عن تاريخ بلدك وجعلته يجلس مع جده وعمه يستمع لأخبارهم وأحاديثهم؟ قال: لا، قلت: هل كنت تعرفه بخالقه وتتحدث معه عن الجنة واليوم الآخر؟ قال: أحيانا حسب المناسبات والفرص، قلت: هل كنت تروي له سيرة النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- وتعلمه قصص الصالحين؟ قال: أحيانا ولكني أنا ضعيف بهذا، قلت: هل كنت تجلس معه على النت لتتعرف على ما يحب وما يتابع؟ قال: لا، قلت: طالما هذه إجاباتك فالنتيجة التي تتحدث عنها طبيعية، فكيف تتحقق أمنياتك في ولدك من غير أن تبذل الأسباب لتحقيقها، أم كنت تتوقع معجزة تربوية تنزل عليك من السماء ليكون ابنك ولدا صالحا؟!.قال: كنت أعتقد طالما نحن أسرة مسلمة ومحافظة فإن ابننا أكيد سيكون مثلنا، ولكني ما توقعت أن يأتي يوم وأكتشف أن ابني يصلي ويقول أذكار الصباح والمساء ويحضر معي خطبة الجمعة مجاملة لي، وربما لو كان الأمر بيده لما فعل، قلت: أنت مشكلتك هي أن لديك صورة ذهنية عن نفسك ومجتمعك ودينك وتعتقد أن نفس هذه الصورة موجودة بذهن ابنك من غير أن تسعى لرسمها، وتركت ابنك يكبر ثم صدمت بالصورة الذهنية التي اختارها هو لنفسه، قال: طيب وما الحل كي أصحح الصورة الذهنية عند ابني عن الدين والمجتمع والأسرة؟ وكيف أحاول تدارك أخته الصغيرة التي دخلت المدرسة هذه السنة؟ قلت: إن المجتمع الذي كنت تراه منذ ثلاثين سنة يختلف عن المجتمع الذي يراه ابنك اليوم، فأنت كنت ترى اللباس في الأسواق والطرقات بالزي الوطني مثل لباسك بينما ابنك اليوم يرى لباسا مختلفا، فالشباب يمشون بالأسواق بالملابس الرياضية القصيرة والنعال الخفيفة والشعر منفوش، كنت أنت ترى في الطريق الصغير يوسع للكبير والرجل يحترم المرأة، بينما اليوم كثرت التحرشات بين الجنسين وصرت ترى البنات يتحرشن بالشباب وإذا تحدثت مع أحدهم رد عليك بصوت عال هذه حريتي وهذا حقي، كنت أنت إذا ذهبت لفراشك ليلا تصلي الوتر وتقول أذكار النوم وتقرأ آية الكرسي أما اليوم فابنك ينام بملابسه والهاتف النقال على صدره، أنت كنت تعمل من الصباح الباكر وإذا استيقظت تدخل للحمام وتخرج منه سريعا لإنجاز أعمالك، بينما ابنك اليوم يجلس بالحمام ساعة لأنه نسي نفسه بمتابعة آخر فيلم بهاتفه نزل وقت دخوله للحمام، أنت كنت تشتاق لرائحة البيت من البخور أو العطور أو رائحة وجبة الغداء، أما ابنك فتصله الوجبة إلى حضنه بالتوقيت الذي يطلبه ولا يعرف الأصابع التى طبخت له هذه الوجبة، فالصورة الذهنية عندك مليئة بالحب والعاطفة لمن حولك بينما الصورة الذهنية لابنك أنه ينبغي أن يستمتع بالدنيا وأهم شيء لديه أن يرفه عن نفسه، فالصورتان مختلفتان وحتى نعالج الاختلاف بين الصورتين نحتاج لتربية متميزة. قال: وهذا ما كنت أسأل عنه؟ قالت: إن العلاج في خمس قواعد تربوية وهي: الأولى أن تخصص وقتا لابنك تجلس معه كل يوم والثاني أن تعتمد معه أسلوب الحوار لا الإجبار، والثالث أن تتقن مهارة تحبيب الدين والإيمان وسيرة الرسول له، والرابع أن تكون له قدوة يحبك وتحبه، والخامس أن لا تركز علي المدارس المميزة تعليميا وتهمل الدين والإيمان عندها ستتطابق الصور الذهنية بينك وبين ابنك.