كثير منا يسمع هذا المصطلح بل ويردده البعض الآخر ومع أن الكثيرين تلمس من استخدامهم له أنهم يعون معناه إلا أنك تشعر أحيانا أن البعض لا يستخدمونه الاستخدام الصحيح أو في المكان الصحيح وخاصة أصحاب الثقافة السماعية المولعين بترديد المصطلحات والمفردات التي تبدو بالنسبة لهم جديدة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التأكد من مدلولاتها. على أية حال، فربما يكون توضيح معنى هذا المصطلح والمقصود به مقدمة مناسبة لهذا المقال؛ حتى تصل الرسالة التي هي غاية هذا المقال إلى القارئ واضحة جلية.. ننقل وعلى الله التوفيق ما تقوله الموسوعة الحرة وهي أن «الطابور الخامس» مصطلح متداول في أدبيات العلوم السياسية والاجتماعية، نشأ أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، ينسب إطلاقه إلى اللواء اميليو مولا وهو القائد العام لجيش الشمال إبان الحرب الأهلية الإسبانية التي استمرت من العام 1936 إلى العام 1939، والتي نشبت بين الجمهوريين اليساريين والوطنيين تحت قيادة الجنرال فرانكو (فرانسيسكو فرانكو) مع أنه تم تصويرها على أنها حرب بين الديمقراطية والفاشية، وكانت قصة هذه التسمية «الطابور الخامس» كما يروي المؤرخ الإنجليزي هيو توماس أن صحفيين أجانب سألوا اللواء «مولا» عن أي طوابير جيشه هو الذي سيفتح «مدريد» العاصمة وكان جيشه يتكون من طوابير أربعة، فكان جوابه أن الذي سيفتح «مدريد» هو الطابور الخامس في إشارة منه إلى الجماعات الفرانكية الموالية للملكية التي كانت تعمل في الخفاء داخل مدريد (العاصمة) وتبين بعد ذلك (حسب توماس) أن هذه الإجابة التي وصفها بغير المتحفظة كانت سببا لسلسلة طويلة من عمليات القتل داخل العاصمة. مع أن رواية أخرى غير رواية توماس تقول إن إجابة اللواء «مولا» كانت ضمن برنامج إذاعي عام 1936، حيث قال: «لدينا أربعة طوابير تتقدم باتجاه مدريد أما الطابور الخامس فيتحرك في الوقت المناسب»، وقد انتشر هذا التعبير فيما بعد وشاع وانتقل إلى اللغات الأوروبية أولا ثم غيرها من اللغات وما زال مستعملا حتى أن هذا المصطلح استخدم بكثرة في وسائل الإعلام الروسية عام 2014، لوصف الأحداث التي تسبب بها مؤيدو روسيا في أوكرانيا أثناء النزاع بين الدولتين. أسهبنا في التعريف بالمصطلح لاعتقادنا بالأهمية الكبيرة للموضوع، خاصة في الظروف الراهنة لسببين، أولهما: الأحداث التي تعصف بالمنطقة والتي لا يخفى على كل مخلص لوطنه أن قوى إقليمية بل وقوى كبرى أيضا لا تخفي ما تضمره للمنطقة العربية والخليج والمملكة بشكل خاص من دوافع وصلت إلى حد تحريك جماعات محلية من مواطني بعض الدول المجاورة -للأسف- وتحريضها لتهديد الأمن والاستقرار ليس في بلدانهم فقط، بل وفي الدول المجاورة وفي مقدمتها المملكة كما هو الحال بالنسبة لجماعة الحوثي وصالح في اليمن وبعض العناصر في دول عربية أخرى في توظيف قبيح لبعض النزعات المجتمعية مذهبية حينا أو قومية حينا آخر، مما جعل هذه الجماعات تظهر بكل وضوح وكأنها تؤدي دور الطابور الخامس وتقوم بمهامه، أما السبب الآخر فهو: ما تيسر لمثل هذا الطابور من وسائل وأدوات تسهل له القيام بدوره خاصة وأن هذا الدور يستخدم الشائعات والكذب والتزوير باعتبارها سلاحا يمكن أن يضعف أعداءه أو يستخدم في شق الصفوف وإضعافها وضرب الدولة الوطنية والغدر بها من الخلف من خلال العبث بالداخل وتهديد الأمن والاستقرار، خاصة وأن الشائعة والأخبار الكاذبة لم تعد تحتاج وقتا طويلا لنشرها وإشاعتها مع توافر وسائل التواصل الاجتماعي التي هي سلاح ذو حدين، ويلاحظ ذلك كل من يتابع هذه الوسائط وما تحمله من أخبار كاذبة تشكك في مقومات الوطن ومقدراته وإخلاص المسؤولين حينا، كما تشكك في قوة الاقتصاد الوطني وقدرته على تحمل أعباء مواجهة الأخطار المحدقة، بل وفي قدرة الجيوش الوطنية على مواجهة الأعداء ورد كيدهم إلى نحورهم. بل ووصل الأمر بهذا الطابور إلى نشر أخبار وادعاءات كاذبة لتحريض الجاليات المقيمة من الوافدين بنشر الشائعات التي تبعثهم على القلق وعدم الاستقرار، ونتذكر جميعا كيف حاولت هذه الجهات استغلال بعض الأحداث التي توجد كثير من المؤشرات على ضلوعها في التسبب بها مثل تدافع الحجاج في منى أو حادثة طبيعية يمكن أن تحدث في أي مكان من العالم مثل حادثة رافعة الحرم لتضخيم الأمور وتوزيع الاتهامات والتحريض على الوطن بأساليب تبعث على الاشمئزاز.. على أية حال إن قيام هذه الجهات بمثل ما عددناه من الأمور ليس مستغربا... والحل أن نتركهم وشأنهم... فالقافلة تسير... بشرط أن يعي المواطن الأغراض المشبوهة لهؤلاء.. وألا يتيح أحد منا الفرصة لهم بأن يجعلوه «الطابور الخامس» الذي يمهد الأمور لتحقيق أحلامهم وتنفيذ مؤامراتهم وهو ما أثبته المواطنون خلال كل مراحل المواجهة وهو أيضا ما ينتظر في المستقبل إلى أن يصل هؤلاء إلى النتيجة الحتمية وهو أن هذا الوطن عصي على مؤامراتهم وأن كل المواطنين هم في الطوابير الأربعة التي تدافع عن الوطن وليس بينهم طابور خامس يمكن أن يوظفوه لتحقيق أحلامهم وأطماعهم وأنهم لو وجدوا قلة قليلة يستطيعون خداعها فإن الفشل هو حليفهم ولن يكون الوطن إلا طوابير جاهزة للدفاع عنه وحمايته ولن يجنوا سوى الخزي والعار والفشل -بإذن الله-.