تابع الناس على مدى الفترة الماضية قصة التلميذة الصغيرة نوف الفريح في احدى المدارس الابتدائية حيث ظهرت الطفلة في فيديو مصور وسط زميلاتها وهن يحتفلن بالنجاح وقد منحن هدايا والعابا إلا نوف، بدعوى انها طفلة مقصرة، أو غير ناجحة. بطل هذه القصة في رأيي وسائل التواصل التي نقلت للناس مكنونات فصل دراسي في مدرسة ابتدائية في واحدة من مدننا الداخلية، والبطل الثاني في القصة هو الخلافات الانسانية ذات الطابع النسائي، وتحديدا تلك التي يحتمل وجودها بين المعلمة المكلفة بتدريس الطالبة وهي من نشر المقطع المصور، وبين السيدة خالة نوف وهي واحدة من العاملات في المدرسة وبين السيدة والدتها، أي والدة نوف التي تحدثت في برنامج تلفزيوني وحاولت التملص من كل تلك العلاقات المتأزمة إنسانيا ومعرفيا عبر الطفلة نوف. إدارة التعليم المسؤولة مباشرة عن المدرسة وعن المعلمة استمع الناس عبر برنامج تلفزيوني لرجل يمثلها بعد الحادثة بأيام، وأظن ان التوفيق خالفه لانه ببساطة وضع جملة قضايا انسانية وتربوية وادارية في سلة واحدة تجاه مفاهيم نفسية تتعلق بطفلة لا حول ولا طول لها في كل هذا الصراع. هذه القصة في أحد أوجهها تبين في تقديري المتواضع خطورة استخدام تكنولوجيا التواصل الحديثة في تأطير مسارات تقليدية من العلاقة بين الناس، في ظل غياب تشريعات كافية للفصل بين ما هو انساني وأخلاقي وبين ما يمكن ان يكون مادة للصراع، او الاخذ والرد الاجتماعي عبر اجهزة الاعلام والبرامج التي تتبنى هذه الظواهر بدون اسس علمية وقانونية، وكل بضاعتها التجريب في خصوصيات الاحداث والاحتكاك بأجهزة التنشئة في المجتمع وعلاقات الافراد ربما غير المتناسقة مع ما يحب. المتحدث باسم إدارة تعليم المنطقة التي شهدت الواقعة دافع عن الإدارة والمدرسة، وحاول إقحام الأعراف التربوية بشيء من الحمية، وليت ذلك لم يكن، سواء لأنه كان في حق طفلة او في حق أسرتها لان المنشأة والوزارة برمتها أقيمت أصلا لخدمة الناس لا لحربهم ولبيان مثالبهم، وأي قصور في تعديل سلوك الناس فشل للمنشأة وللمجتمع. الطفلة غدت نجمة تلفزيونية وهي جديرة بذلك حماها الله، ونالت من الهدايا والاحتضان ما تستحقه بكل تأكيد وحصدت عبر برنامج الثامنة المشهور للأستاذ داود الشريان كمًّا من الهدايا يثير حسد أطفال العالم الثالث، ومع ذلك نتمنى ان تتجاوز بكل ذلك الآثار السيئة النفسية والتربوية التي ربما تولدت عن الحادثة الاصلية. إلا أن ما أود طرحه هنا على هامش كل هذا الجدل التربوي الإعلامي التنظيمي المجتمعي هو ما تولد عن الحادثة كمعطى كامل قذفت به الظروف في عمق مشاكل يواجهها الناس في مجتمعنا. بعبارة أخرى يجب ان يكون واضحا لنا جميعا أن التنادي لحل قضية واحدة ليس معناه ان كل القضايا المشابهة والتي يحتمل ان تنشأ هنا او هناك قد تم القضاء عليها او حلها. ولعل ما نستفيد من مثل هذه الحادثة هو ان نفتح أعيننا على آليات وأساليب جديدة جيدر بنا تجريبها واعتمادها كتنظيمات قوانين، تضبط مسارات محتملة من الخلل ايا كانت اسبابه، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاساسية والجوهرية في حياة الناس التي لها ارتباط بصحتهم وتعليم ابنائهم وبدخولهم ونظرتهم العامة للمستقبل. ولعل ما جعلني أبحث في قصة ريم الصغيرة - حرسها المولى - اننا في المملكة وبفضل الله امام عديد من الاستحقاقات التنظيمية والتطويرية بما يتناسب وتطوير المجتمع عموما وتعديل او تطوير آليات تعاطيه مع كثير من القضايا الحياتية، لان الموضوع في تقديري يتعلق بالتنمية وبالإصلاح والتطوير. والمرافق التي لا تزال مصدر قلق او قصص على تفاعلنا المتأخر مع بعض مكونات الحياة العادية او التي يفترض أن يكون عاديا قادمة من القطاعات الخدمية الاساسية في بنية الناس والمجتمع، وذلك بمنظور آخر يكشف عن قدر من الخلل أو لنقل عدم التوازن في بنيتها التنظيمية التشريعية وفي ما يقابلها من خدمة تقدم للناس. المجتمع وبحسب ما يأمله الناس وبناء على التطلعات الكبيرة للرؤية 2030 والثمار المتوخاة من انجازها يطمحون لان يكون المجتمع بكل طاقاته منتجا للخدمة المقننة الواضحة، لا أن يكون مجتمعا منتجا للقصص الصراعية التي تثير الآخرين وتنكأ جراح مشاكلهم دون حل، وان كان هناك حل فيكون في احسن الظروف لحالة واحدة فقط.