في المجتمع أمراض كثيرة مسكوت عنها وخاصة ما يحدث داخل بيوت الأسر الفقيرة وغير المتعلمة، وليست قضية هذه الفتاة المسكينة غير واحدة منها، ولو سألنا القائمين على الجمعيات الخيرية وأئمة المساجد لأخبرونا عن الكثير من قضايا الطلاق واقعتان مختلفتان حدثتا في المنطقة الشرقية، وتناقلتها بعض الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، الأولى لأستاذ جامعة التقى بطالباته في المكتبة المركزية في الجامعة، وأصبحت هذه الحادثة مادة ثار حولها الكثير من اللغط داخل الجامعة وخارجها، وأبرقت بعض الطالبات إلى وزارة التعليم إلكترونياً واتصل أولياء الأمور بالجامعة واضطرت الجامعة إلى الرد وإيضاح الموقف وتبرئة الأستاذ، وإيضاح الحقيقة. أما الحادثة الثانية فهي قصة مأساوية تضاف إلى ملف العنف الأسري، وضحيتها طفلة بريئة في السابعة من عمرها ذاقت الأمرين من عنف زوجة أبيها وإهمال والدها وعدم مبالاته، ولولا يقظة المعلمة وحرصها لضاعت القضية، لقد تابعت تلك المعلمة النبيلة قضية الطفلة وأبلغت الشرطة وأحيلت الطفلة إلى المستشفى وبقيت معها المعلمة إلى حين وصول والدتها من الرياض لمرافقتها. قصتان مختلفتان لهما دلالاتهما، وهو أننا مجتمع التبست عليه الأولويات، ففي القضية الأولى خلط بين المباح والمحرم، وفي القضية الثانية عنف ضد طفولة مبكرة، القضية الأولى كان لأستاذ مع طالباته في المكتبة المركزية في الجامعة وبحضور المسؤولين والعنصر النسائي المرافق، والشبهة هنا هي الاختلاط، وحين نبحث عن مفردة الاختلاط لا نجدها لا في القرآن الكريم ولا في السنة ولا في التراث، وخلطنا بين الاختلاط والخلوة التي تقع بين رجل غريب وامرأة بعيداً عن أعين الناس، أما اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد بقصد العلم أو البيع والشراء أوالعبادة فهو مباح وموجود منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك الحج والعمرة. لقد بالغنا في الفصل بين الجنسين وضيقنا المباح، وفي ذات الوقت سمحنا للخلوة بين المرأة والرجل الغريب كما هو الحال مع السائق الذي يسكن معنا ويخلو بمحارمنا وفي مكان ضيق هو السيارة. أما القصة الثانية المحزنة فلم يثر حولها الكثير من اللغط، ولم أر ولو تغريدة واحدة تمجد ما قامت به هذه المعلمة النبيلة أو تحاول تسليط الضوء على العنف الأسري، أو حالات الطلاق التي يصبح الأطفال والنساء ضحيتها بدلا من حلها بالتراضي أو التسريح بإحسان وأن يحسم مصير الأبناء والنفقة والسكن قبل إنهاء إجراءات الطلاق وقبل إلحاق الأذى بالأطفال مكيدة بأمهم التي لا ترغب العيش مع الزوج. في المجتمع أمراض كثيرة مسكوت عنها وخاصة ما يحدث داخل بيوت الأسر الفقيرة وغير المتعلمة، وليست قضية هذه الفتاة المسكينة غير واحدة منها، ولو سألنا القائمين على الجمعيات الخيرية وأئمة المساجد لأخبرونا عن الكثير من قضايا الطلاق وما ينتج عنه من ظلم للمرأة وأطفالها، والتي من أهم أسبابها أزواج وقعوا في المخدرات أوالأمراض النفسية وسوء التربية في الصغر مما انعكس أثره على تعاملهم مع أسرهم. قضية هذه الفتاة مؤلمة وتقع مسؤولية التعامل معها على أكثر من جهة، لكني سوف أختصرها في الجهات الآتية: * القاضي هو الضامن لسير العدالة وهو الذي بيده السلطة الشرعية التي تنصف المظلوم من الظالم، وقد كتبت أكثر من مرة عن حقوق المطلقات الضائعة، والتي يدفع ثمنها الأطفال والمطلقات، ولا يكفي أن نردد الإسلام أنصف المرأة ونحن نرى ممارسات بعيدة كل البعد عن الإسلام وعدله، وكيف ينفرد الزوج بكل المدخرات من مال وسكن ليتمتع بها مع زوجة ثانية، في الوقت الذي تطرد فيه الزوجة الأولى وتذهب إلى أهلها ذليلة مقهورة، هذا إن بقي لها أهل يستطيعون إعالتها وأطفالها، سؤالي: لماذا لا تحل كل المسائل العالقة بينهما كالنفقة ورعاية الأطفال وحقوق المرأة قبل إنهاء إجراءات الطلاق؟ * الجهات الأمنية وخاصة الشرطة يجب أن تتحرك بسرعة وبحزم لحماية المعنفات من النساء والمعنفين من الأطفال حال وصول الشكوى، ولا يجب أن تلقي بالمسؤولية على جهات أخرى كحقوق الإنسان أو هيئة الأمر بالمعروف، فحماية المجتمع من العنف هو من صميم عملها وهي الوحيدة القادرة على أخذ الإجراءات النظامية وحماية الضحية واستدعاء المعنِّف وتقديمه للعدالة. في الدول المتقدمة يفقد الوالدان حق الحضانة على أطفالهما لو مارسا العنف ضدهم، ويبلغ عن حالات العنف حال حدوثها وتتعامل معها الشرطة بسرعة وبحزم، ويبت فيها القضاء دون تأخير. *المدارس بمعلميها هم أفضل من يستطيع أن يكتشف ويراقب حالات العنف ضد الأطفال والإبلاغ عنها، ويجب أن يكون العنف بأنواعه ووسائل مقاومته ضمن المناهج ليعرف الطفل حقوقه وكيف يتصرف إزاء العنف والتحرش بأنواعه، وهناك دلائل على العنف والإهمال كالحرمان من الأكل وقلة النوم والأصابات وهذه يمكن أن تكتشف عن طريق المعلمين الذين لديهم الحس الإنساني ويحتسبون ذلك عند الله سبحانه وتعالى. حين تلتبس الأولويات داخل المجتمع فمرد ذلك إلى ثقافة أساسها التعليم التلقيني الذي لا يتيح مجالاً للتفكير الناقد ولا لطرح الأسئلة التي تهدف إلى الإحاطة بكافة جوانب الموضوع ووضعه موضع الشك لمعرفة مدى صحته. البرمجة الخاطئة جعلتنا نستنكر المباح ونتغاضى عن الكثير من الأخطاء التي تحدث في الجامعات رغم خطورتها كالغش والغياب وعدم احترام الطالب للنظام بدءاً من مواقف السيارات وانتهاء بما يقوم به الطالب داخل المحاضرات، وما أصاب الطلبة من خواء فكري وكسل وعزوف عن القراءة وفقدان مهارات التواصل، وقلة الصبر، ناهيك عن أخطاء بعض أعضاء هيئة التدريس وغيابهم وقلة عطائهم. المدارس والجامعات يجب أن تركز على تحسين سلوك الطالب لتستخرج منه أفضل ما يملك من فكر وطيبة وحب وتسامح ومساعدة، وأن تعمل على تخلصه من عوامل الشر المتأصلة بداخله، وهذا لن يتم إلا إذا قمنا بمراجعة شاملة لما تحويه مناهجنا، وطرق التعليم والبيئة في المدارس والجامعات.