من التكهنات الواسعة حول شكل السياسة الأمريكية في عهد الرئيس ترامب إلى الأسئلة الوجودية في جدول انتخابي أوروبي مزدحم، يمتلك المتداولون في العملات قائمة طويلة من الأسئلة الحقيقية التي تراودهم حيال العام القادم. «إن أسعار الفائدة الأمريكية الحقيقية معرضة لخطر التحول السلبي على نحو متزايد مع تفوق النمو الاسمي على النمو الحقيقي». «إن حالة انعدام اليقين التي تحيط بالمستقبل السياسي وحتى الوجودي للاتحاد الأوروبي ستعاود الارتفاع بصورة كبيرة خلال عام 2017». مع تقديمنا لهذه التوقعات ربع السنوية التي تقدم لمحة عن الأشهر الثلاثة القادمة وسنة 2017 التقويمية الجديدة، يستحق الأمر أن نقوم بتلخيص أبرز الأحداث الرئيسية المتعلقة بالعملة خلال عام 2016. وتميز العام الفائت، إلى حد كبير بشكل غير عادي، بأحداثه المثيرة والمنعطفات غير المتوقعة. وهذا لا يعني أن عام 2017 لن يقدم أي تغيرات جذرية أو انحرافات جديدة عن المسار المتوقع، ولكن تحديد المواقع في السوق وترقب ما سيجلبه عام 2017 سيعني حتما حدوث تقلبات كبيرة في الأسواق، لاسيما في حال إثبات عدم صحة الافتراضات الواسعة حول العام الجديد. تصدرت العملات محور الاهتمام خلال عام 2016 الذي ازدحم بالأحداث المثيرة بالنسبة لأسواق الأصول. وشهد العام الماضي بداية متسارعة على خلفية المخاوف المتعلقة بأن الصين كانت تسمح بحدوث انخفاض حاد في قيمة اليوان. ووسط حالة الانهيار التي تلت ذلك في أسواق الأصول حول العالم، أعلن بنك اليابان عن خطوة مفاجئة - وكما تبين لاحقا - خاطئة نحو أسعار فائدة سلبية قوبلت بجدار من عمليات تغطية المراكز المكشوفة للين الياباني بعد عمليات البيع الأولية غير المحسوبة. وانتعشت بعدها أسواق الأصول بصورة قوية واعتبرت قوة الدولار الأمريكي أمرا ثانويا حتى وقت متأخر من العام على خلفية تأكيد مجلس الاحتياطي الفيدرالي تراجعه عن الجدول الزمني لرفع أسعار الفائدة خلال العام وبعد إعلان الصين عن دعم اليوان. ثم بطبيعة الحال، شهدنا الكارثة التي حلت بالجنيه الإسترليني عقب النتائج المفاجئة لاستفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو. وفي وقت لاحق من العام، وبعد الزيادة الكبيرة في سعر صرف الين، حصل بنك اليابان على الثأر مع كون سياسة السيطرة على منحنى العائد الجديدة التي أعلن عنها خلال شهر سبتمبر قد أثبتت صدورها في الوقت المناسب مع الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة العالمية خلال الربع الرابع. واتخذ هذا الارتفاع طابعا ملحا جديدا مع الانتصار المذهل الذي حققه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية يوم 8 نوفمبر. وأعاد هذا الانتصار صياغة التوقعات المتعلقة بالسياسة المستقبلية الأمريكية وأشعل النار تحت الدولار بعد تهميشه لفترات طويلة من عام 2016. وفي ذات الوقت، وخلال أجزاء كبيرة من العام، ودون أي جلبة تذكر، خرجت عملات الأسواق الناشئة المختارة كأكبر الفائزين. ويعود ذلك جزئيا إلى عودة صفقات الشراء بالاقتراض مع انخفاض أسعار الفائدة خلال النصف الأول من العام، ولكن أيضا بسبب تلاشي المخاوف ذات الصلة بكارثة خفض قيمة اليوان واستقرار أسعار العديد من السلع الأساسية وانتعاشها القوي. وبعد عام مليء بالأحداث المثيرة شهد إنهاء الدولار الأمريكي للعام في أعلى مستوى له منذ قرابة 13 عاما بعد عملية رفع سعر الفائدة الثانية فقط لهذه الدورة، يحمل الانتقال إلى عام 2017 الكثير من الترقب مرة أخرى. وسنحاول أدناه بلورة بعض مواضيع التداول الأكثر الأهمية لهذا العام، ونعتقد أن العام الجديد سينطلق بشكل سريع وقد يشهد ككل حالة من التقلب في الأسواق مع انتشار مخاطر السياسات والمخاطر السياسية في كل مكان تقريبا. سياسات ترامب إنه وقت صعب بالنسبة لأخصائيي التوقعات المتعلقة بالدولار الأمريكي مع ارتفاع قيمته بشكل كبير أثناء مضينا قدما لدخول عام 2017 ومع تسجيل مؤشر الدولار لمستوى جديد هو الأعلى خلال 13 عاما. وقد اتخذت السوق موقفا يفضي بإمكانية قيام ترامب بإحداث طفرة في الاقتصاد الأمريكي كالتي قام بإحداثها الرئيس الأسبق رونالد ريجان، وذلك استنادا إلى طفرة متصلة بالعرض من زيادة الإنفاق المالي وخفض الضرائب، وخاصة بالنسبة للشركات، وهو أمر قد يشجع الاستثمارات الملزمة المحلية. وبطبيعة الحال، هناك الكثير من الاختلافات بين الأثر المحتمل للسياسات الاقتصادية التي اعتمدها ريجان في أوائل الثمانينيات والسياسات الاقتصادية التي يعتمدها ترامب عام 2017. ففي ذلك الوقت، كانت نسبة المديونية في الميزانية العمومية للبلاد، في القطاعين العام والخاص على حد سواء، تساوي أقل من نصف نسبة المديونية الحالية كما كانت أسعار الفائدة توشك البدء بانخفاض على المدى الطويل. أما الآن، وصلت أسعار الفائدة إلى مستويات دنيا قياسية ووصل الاقتصاد إلى أعلى مستويات المديونية (بطبيعة الحال، يأتي هذان الأمران جنبا إلى جنب). وباختصار، إن ارتفاع أسعار الفائدة الناجم عن ترقب التحفيز وعمليات رفع سعر الفائدة التي يقوم بها مجلس الاحتياطي الفدرالي سيقف في وجه أي نمو اقتصادي، وفي نهاية المطاف تشديد السياسات الائتمانية وعرقلة أي زخم ناجم عن ذلك. ويتمثل الجزء الصعب بتوقيت القيام بهذا الأمر - هل نرى أي اتجاهات عكسية تظهر بالفعل خلال الربع الأول أم أننا نقلل من قدرة الدورة على التوسع من خلال إحياء الحيوية المحتضرة؟ وكما هو الحال دائما، يحتاج المتداولون للتحلي بالبراعة والذكاء. وتتمثل القضية الأساسية بأن الفترة الرئاسية القادمة للرئيس ترامب أو السياسات الاقتصادية التي يعتمدها (أو الإصدار الجديد من سياسات ريجان الاقتصادية، ففي نهاية المطاف يمتلك ترامب مستشارين رئيسيين كانوا أيضا من مستشاري ريجان) قد توفر في البداية بعض الزخم الإضافي من السياسة الضريبية والمحفزات الاقتصادية السريعة التي سبق للسوق أن أخذتها بعين الاعتبار جزئيا. وقد يشعر مجلس الاحتياطي الفيدرالي على نحو متزايد بأنه لا يحقق التقدم المطلوب في وقت مبكر من العام مع ارتفاع حدة التضخم (تأتي بعضها من الصين وسياساتها الرامية للتخلص من الاستطاعة الزائدة في القطاعات الرئيسية). ولكن مع مرور الوقت، سينظر في نهاية المطاف إلى أي نمو أو تضخم يحدث على أنه من 'النوع الخاطئ‘، مع ارتفاع الأسعار الناجم فقط عن التبذير المالي وارتفاع مقاييس التضخم بشكل أعلى بكثير من مستوى النمو الحقيقي. وبعبارة أخرى، تتعرض أسعار الفائدة الأمريكية الحقيقية لخطر التحول إلى أسعار سلبية بشكل متزايد، مع تفوق النمو الإسمي على النمو الحقيقي. ويمكن لأسعار الفائدة السلبية الحقيقية هذه أن تلحق بالدولار بصورة سريعة، والذي بدوره قد يصل إلى الذروة خلال الربعين الأول أو الثاني، لدورة محتملة بعد رحلة تعافيه الطويلة من المستويات الدنيا طويلة الأجل التي سجلها في عام 2011. مخاطر اقتصادية في أوروبا إن حالة انعدام اليقين التي تحيط بالمستقبل السياسي وحتى الوجودي للاتحاد الأوروبي ستعاود الارتفاع بصورة كبيرة خلال عام 2017 بعد الفترة اللاحقة لعام 2012 والتي شهدت قيام البنك المركزي الأوروبي بإجراءات مالية تلطيفية وغير علاجية. ونحن ننتظر الانتخابات الهولندية في شهر مارس، والفرنسية في أبريل/مايو (الجولة الأولى/جولة الإعادة) والألمانية في أوائل الخريف. وعلاوة على ذلك، هناك مخاطر بإجراء انتخابات مبكرة في إيطاليا بعد فشل رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي في الاستفتاء الذي أجري في أواخر عام 2016، فضلا عن مشاركة اليونان مرة أخرى في المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد لإعادة هيكلة خطة الإنقاذ. ونحن نتوقع أن تنخفض قيمة اليورو في وقت مبكر من العام أو ربما قبل فترة وجيزة من الانتخابات الفرنسية، على الرغم من أن هذه الأخيرة قد تؤدي لحدوث تقلبات أقل مما كان متوقعا. ومع ذلك، تنطوي التوقعات المستقبلية لليورو على حالة من انعدام اليقين من القوى السياسية حتى لو قام البنك المركزي الأوروبي باتخاذ أقصى الإجراءات المالية. ومن الضروري أن تتم إعادة صياغة إطار عمل الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل للحفاظ على الشكل الحالي للاتحاد الأوروبي، ولكن عملية كهذه قد تستغرق سنوات طويلة حتى لو لم تقم أي دولة بمغادرة الاتحاد النقدي خلال الأشهر ال12 القادمة. الأسواق الناشئة: من المحتمل أن تقدم عملات الأسواق الناشئة أداء متنوعا خلال عام 2017 بعد أداء تراوح بين الجيد جدا والمتنوع في عام 2016، استنادا إلى تركيز الأسواق الناشئة. ومن المحتمل أن يبقي الدولار الأمريكي الأقوى عملات الأسواق الناشئة الحساسة للدولار (تلك التي اقترضت على نطاق واسع بالدولار الأمريكي خلال أعوام الدولار الضعيف) تحت ضغط مبكر خلال العام. ومن منظور تقييمي، تمحور العام الماضي إلى حد كبير حول مسألة 'إعادة الضبط‘ بعد أن قامت السوق بالتخلص من الجوانب الإيجابية والسلبية على حد سواء خلال عام 2016. ويمكن للاقتصادات الآسيوية الناشئة أن تشهد معظم الضغط على المستوى المالي في استمرار للتطورات التي حدثت في نهاية عام 2016. ومن غير المحتمل أن تقدم العملات المرتبطة بالسلع أداء جيدا على المدى الطويل باعتبار أننا لا نؤمن بشكل كبير بالإنعاش التجاري بعد الجزء المبكر من العام.