أحببت أن أطرح هذا الموضوع المهم؛ نظرا لكثرة الاستفسارات الواردة بشأنه، ولكثرة القضايا المنظورة حوله بالمحاكم، وكونه يتناول موضوعا له أهمية كبيرة في حياة الأسرة واستقرارها، ولكونه يبين بعض محاسن التشريع الإسلامي، فأحكام الحضانة تصب في صالح جميع أفراد المجتمع، فإن من محاسن الإسلام وعنايته الشاملة اهتمامه بأفراد المجتمع الإسلامي صغارا وكبارا ذكورا وإناثا. ومن هذه الصور، اهتمام الشارع الحكيم بالآثار والحقوق المترتبة على انفصال الزوجين عن بعض ومنها الحضانة، وسوف نتطرق في هذا المقال لتعريف الحضانة، وبيان الشروط الواجب توفرها في الحاضن، وما عليه العمل في المحاكم السعودية، وترتيب المستحق للحضانة، وهل تسقط حضانة الأم بالزواج أم لا، فالحضانة مأخوذة من الحضن والضم وهي التزام الحاضن برعاية المحضون وتربيته والقيام بحفظه وتدبير جميع شؤونه ووقايته عما يؤذيه. والحضانة منذ الولادة حتى سن سبع سنوات، أما من السنوات السبع إلى البلوغ فتسمى الضم والرعاية، ويطلق عليها حضانة تجوزا وهي مرحلة أقل من مرحلة الحضانة. أما شروط الحضانة فهي: (الإسلام، البلوغ، الأمان في السكنى فلا حضانة لمن يسكن في مكان غير آمن، القدرة فلا حضانة لعاجز بدنيا أو كبير في السن، السلامة الصحية فلا تكون الحضانة للمريض مرضا مزمنا أو معديا ويكون بحاجة لمن يعتني به، الرشد وهو ضد السفه، الحرية فلا حضانة للمسجون والمحكوم عليه بحكم قضائي، العدالة فلا حضانة لخائن لأنه غير مؤتمن ولا لفاسق كمتعاطي المخدرات أو شارب الخمر أو المتحرش والزاني وكل مرتكب لسلوك يتنافى مع الشرع الحكيم والآداب العامة، المعاملة الحسنة فلا حضانة للمعنف ومن يؤذي المحضون جسديا ويضربه، أن تكون المرأة غير متزوجة «وهو محل تفصيل» وعكسها الموانع، فإذا سقط أي شرط من هذه الشروط أو أخل الحاضن بها وثبت ذلك سقطت حضانته، كما لو حصل الحاضن على حضانة الصغير ومن ثم أصبح به جنون، أو مرض خطير، أو عجز فهذه من مسقطات الحضانة، ويحق لغيره طلب اسقاطها. إذا عرفنا شروط الحضانة وموانعها فمن هو الأحق بالحضانة؟ أجمع العلماء على أن الأم أقدم الحواضن، ويقدم النساء على الرجال في الحضانة لأنها - أي الحضانة- مبناها على الشفقة والرفق بالصغار وذلك من جانب النساء أوفر وهن بالتربية أعلم وعلى إقامة مصالح الصغار أقدر. وترتيب الحضانة فهي كالتالي (للأبوين طالما كانا مرتبطين ويقيمان في منزل واحد، ثم للأم في حال الفراق، ثم لأم الأم - الجدة - ثم للأب، والأخت لأم في حالة عدم صلاح الأب ثم أم الأب، ثم أخت الأب وهكذا..). أما ما عليه العمل في المحاكم السعودية، فالقضاء ينظر في دعاوى الحضانة للأصلح للمحضون، فمتى كانت الأم أصلح من الأب في الحضانة ومكملة لكل الشروط التي ذكرناها تكون الحضانة لها مهما بلغ أعمار الأبناء، فالأصل في الحضانة أنها للأم، وإذا ثبت أن الأب أصلح فالحضانة تكون له، لكن هنا يثور تساؤل كيف يحدد الأصلح للمحضون؟ فإذا أقام أحدهم دعوى حضانة وادعى على المدعى عليه أنه غير صالح للحضانة، فإنه يقع عليه عبء الإثبات في عدم صلاحية المدعى عليه، إعمالا للقاعدة الفقهية المستقاة من الحديث (البينة على من أدعى واليمين على من أنكر). ولتوضيح ذلك أكثر كما إذا ادعى المدعي بأن المدعى عليه (من بيده المحضون) مسجون في قضية مخدرات، أو قضية أخلاقية تمس بالشرف والأمانة، أو به مرض يمنعه من حضانة الصغير، فعليه الإثبات إما بالحكم الشرعي الصادر بحقه بالحكم بالسجن، أو بالتقرير الطبي الذي يبين حالته في حالة ادعائه لمرضه، أو بإقرار المدعى عليه أو بالشهود أو بغيرها من وسائل الإثبات، أو باليمين في حالة عجزه عن إحضار البينة. وفي معرض طرحنا لموضوع الحضانة يرد سؤال هو محط اهتمام الكثير من النساء اللاتي انفصلن عن أزواجهن ولهن منهم أبناء، ويتقدم للزواج بهن شخص آخر، فيرد تساؤلهم (هل تسقط حضانتي لأبنائي في حال زواجي) فلهذا السؤال ثلاث حالات سأبينها تفصيلا لكل حالة مع الاستدلال بأحكام قضائية. الحالة الأولى: موافقة زوجها الذي تزوجت به على حضانة أبنائها فلا تسقط بهذه الحالة حضانتها، لقول ابن القيم رحمه الله (إن الزوج إذا رضي بالحضانة وأثر كون الطفل في حجره لم تسقط الحضانة) واشترط موافقة الزوج لأن الزوجة قد تنشغل بحضانتها للمحضون وتقصر في حقوقه الزوجية وهناك سابقة قضائية (حكم قضائي) ورد في مدونة الأحكام القضائية الصادرة عن وزارة العدل الحكم رقم (34/271962) وفيه (حضر الجد ويطلب حضانة أولاد ابنه وهم... وقد توفي والدهم والأولاد في حضانة أمهم المدعى عليها وقد تزوجت ويطلب نقل الحضانة إليه - وقد أقرت المدعى عليها بأنها كانت زوجة لابن المدعي، وأن الأولاد الذين ذكرهم هم أولادها منه وأقرت بالزواج من رجل آخر، ولكن رفضت نقل الحضانة إلى المدعي نظرا لكبر سنه، وأنه لا يستطيع إدارة شؤونهم، ثم تم سؤال المدعي هل تطعن بحضانة الأم بشيء فقال لا، وحضر زوج المدعى عليها وقرر أنه لا مانع من بقاء أولاد زوجته عنده وتحت حضانة أمهم - وظهر للقاضي أن بقاء الأولاد مجتمعين عند أمهم فيه مصلحة لهم، وحكم بصرف النظر عن دعوى المدعي وبقاء حضانة الأولاد للمدعى عليها، وقد صدق الحكم من الاستئناف. والحالة الثانية: هي إذا ثبت عدم صلاح الأب في حضانة أبنائه المطالب بهم فهنا لا تسقط حضانة الأم وتستمر حضانتها لهم، وسأورد كذلك حكما قضائيا على ذلك وهو الحكم القضائي رقم 34/181979 وملخصه (ادعى المدعي أن المدعى عليها كانت زوجته وأنجب منها بنتا عمرها الآن اثنتا عشرة سنة ومن ذلك الوقت هي في حضانة المدعى عليها وقد تزوجت قبل خمس سنين ويطلب الحكم له بحضانة ابنته، وبعرض ذلك على المدعى عليها صادقت على ما ذكره المدعي وان الطلاق كان قبل إحدى عشرة سنة وقد تزوجت بعده بثماني سنين، ومنذ زواجها والبنت عند والدها المدعي، وبعد ثلاث سنوات من زواجها أخذت البنت عندها برضا المدعي؛ لأنها أصيبت بمرض السكري نتيجة قلة الرعاية وعدم تواجد والدها في المنطقة؛ لارتباطه بعمل عسكري ولا توافق على ما طلبه المدعي، وبعد عدة ردود من الطرفين، وحيث إن الولد المتنازع عليه أنثى وحاجتها لأمها وبقاؤها عندها أنفع لها وبه تتحقق من مصالحها ما لا يمكن تحققه وهي عند والدها، لا سيما وأن والدها يعمل عسكريا ويلحقه من المناوبات ما يجعله بعيدا عن ابنته، وفي ذلك تعطيل لمصالح البنت، وبقاؤها عند أمها أحفظ وأصون لحاجتها إلى تعلم ما ينفعها في دينها ودنياها، صدر الحكم بصرف النظر عن دعوى المدعي وجعل الحضانة للأم، وصدق الحكم من محكمة الاستئناف. الحالة الثالثة: إذا لم يوجد اعتراض على زواج الأم الحاضنة، فإذا اعترض الأب على حضانة الأم المتزوجة، فيحق لأم الأم التقدم بطلب عارض بالدعوى وطلب حضانة الأبناء إذا ثبت صلاحيتها للحضانة، وذلك ما نصت عليه المادة (79) من نظام المرافعات الشرعية ولوائحه التنفيذية، وسأورد حكما قضائيا على هذه الحالة هو الحكم رقم (33/430062) حيث جاء فيه (حضرت الجدة لأم وأدعت على زوج ابنتها سابقا بأن ابنتها أنجبت منه بنتا... وقد حصل الطلاق بين الطرفين والطفلة عند والدها ولكون والدتها متزوجة طلبت الحكم لها بحضانة الطفلة المذكورة، دفع المدعى عليه وكالة بعدم اختصاص المحكمة العامة بالرياض وطلب إحالتها لمقرسكن المدعى عليه بجدة، كما قرر أنه قد صدر صك بين بنت المدعية وموكله أن البنت تبقى عند والدها، تم الاطلاع على الصك بين بنت المدعية وزوجها سابقا والمتضمن وجود اتفاق وصلح على أن تكون الحضانة لوالدتها وزيارة والدها في منزل زوجته سابقا بالرياض، تم سؤال المدعى عليه هل تطعن في حضانة المدعية بشيء فأجاب أنها كبيرة في السن، وقرر المدعي وكالة أن البنت تقعد عند زوجة والدها ووالدها مشغول فالمدعية أولى بها، وقرر الاخصائي النفسي أن الطفلة تشغر بتفاوت المعاملة بينها وبين أختها لأبيها، ولما كانت الحضانة من الامور المتجددة والحكم الصادر سابقا لم يتضمن الحكم للمدعى عليه بالحضانة صراحة، وحيث إن عماد الحضانة هو الأصلح للمحضون، لذا حكمت بحضانة الجدة للبنت وتسليمها إياها مع أوراقها الثبوتية، صدق الحكم من محكمة الاستئناف.. وسوف نستكمل معكم الحديث بالمقال القادم عن الحضانة وأحكامها، وما الذي جرى العمل به قضاء إذا كان الأبوان متعادلين في صلاحية الحضانة وكيفية رفع الدعوى. الحضانة منذ الولادة حتى سن سبع سنوات، أما من السنوات السبع إلى البلوغ فتسمى الضم والرعاية، ويطلق عليها حضانة تجوزا وهي مرحلة أقل من مرحلة الحضانة