هذا القرن قد بدأ بحروب دينية وأيدولوجية متواترة جعلت البشرية تعيش ويلات متواصلة لا يمكن الخروج منها إلا من خلال إعادة الإنسانية إلى معناها الحقيقي الفعلي، بعيدًا عن الادعائية التي تعيشها المحافل الدوليَّة، التي ترفع مانشيتات فارغة لا أرض خصبة لتطبيقها، وربما تعتبر حرب الإبادة التي يتعرض لها مسلمو ميانمار من أكثر الحروب الدينية غرابة خاصة مع اقترانها بخرس دولي كبير وتهميش إعلامي أكبر. فالقضية أكبر من تحجيم الدول (الكبار) لحجم المأساة الإنسانية التي يعانيها المسلمون هناك، فالمسلمون في طبيعة الأحوال في حرب إبادة مترنحة منذ بداية فجر الدعوة الإسلامية من أكثر من 1400عام، فمأساة ميانمار قد اتفق عليها عاملان.. الأول: صمت الغالبية المؤثرة من منظمات دولية ودول كبرى وأخرى صغرى بشخوصها الفاعلة وقراراتها المناهضة. وامتدّ إلى خَرَسٍ أكبر منه حجمًا في كافة وسائل الإعلام المحلية والعالمية التي وضعت القضية في جيب وسائل الإعلام الاجتماعي (الإعلام الجديد)، وتنحت عن تبني القضية في الصحف الرسمية والإذاعات والتلفزيونات ذات التأثير القوي، وكأن القضية ليست بقضية انتهاك إنساني وإبادة ترفضها كل الألباب وكل التيارات والمذاهب البشرية. إذن فالقضية باتت لا تعني أحدًا سوى طرف ضعيف جدًا ممن لا حول له ولا قوة من الجمهور العالمي، الذي تصلهُ صور ومقاطع الإبادة التي يعانيها الشعب البورمي كل يوم، والتي تتناقلها الأجهزة الذكية عبر التطبيقات الاجتماعية والصفحات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي يقوم أغلبها على جهود فردية بحتة، فما كان من الجمهور الذي لا حول له ولا قوة في عصر (توجيه الرأي العام) إلا تقديم أضعف الإيمان من خلال الاستنكار والدعاء ودفع ما تيسر لمنظمات الإغاثة المحلية والدولية والتي تقوم كذلك بدورها بصمت وخجل ملاحظ دون تبنيها لموقف أكبر من ذلك من خلال التوعية والتذكير وتخصيص مشاريع معينة في المنكوبة ميانمار كما هو الشأن في القضية الإنسانية في سوريا وفلسطين.! إنها النكبة الإنسانية بكل تأكيد؛ وبتمام العمد في تقديم هذا الوصف لهذه المأساة التي لا توصف على أنها مأساة من مآسي المسلمين التي لا تنتهي ولن تنتهي بنظري حتى يتم إقامة الحق في كل مكان، فالأمر يتعدى الفهم الديني الضيق (النظرة الضيقة) إلى الفهم الإنساني الفسيح الذي نادت به كل الأديان السماوية، ونادت به كل التيارات الغربية التي همشَت الدين وأدلجته وعلمنته، كما أنَّها تحديدًا أساس كل ما نادت به أهداف الامبريالية العالمية والتي وضعت المصلحة البراجماتية للفرد والجماعة نصب عينها، فأين الإنسانية التي تمارسها حكومة بورما من كُل ما تقدم، وأين نحن مما يُصاب به إخواننا في الإنسانية وإخواننا في الإسلام، أين الضمير الإنساني العام، أين أضعف الإيمان منا كشعوب تمارس إعلام المواطن في الفضاء الإلكتروني الحرّ، أين هو؟ إلى إخواننا الذين يقتلون ويبادون ويتشردون ويعانون ويلات الذُلِ والعبودية التي تمارسها حكومة بورما البوذية التي عادت الإسلام، أنا بريئة من الخَرَس العام، بريئة من صمت قومي، بريئة من خرسي إلى الآن، فاللهم اجعل لمسلمي بورما فرجًا ومخرجًا، اللهم احقن دماءهم، واحفظ أعراضهم، وآمنهم في وطنهم، اللهم واكشف عنهم البلاء، وأعلِ بفضلك رايتي الحق والدين، اللهم وأنعم علينا بالأمن والأمان يا لطيف يا منان.