بعد بدء إجلاء عناصر المعارضة المسلحة من حلب، جلست أمام الكمبيوتر، لأتصفح بعض الصحف المحلية والأجنبية، الصحف التي اعتدت تصفحها- ثلاث من كل جانب. وكان أن خطرت في بالي فكرة المقارنة بين الأجنبية والمحلية من ناحية التغطية والمتابعة للحدث الذي كان ولا يزال شغل العالم الشاغل. ولا يحتاج إلى تأكيد أن كفة المقارنة رجحت لصالح الصحف الأجنبية، رغم التفاوت بينها أيضا من حيث المواكبة ونوعية التغطية. خلال المقارنة أثبتت الأجنبية، ويا للمفارقة، أنها أكثر اهتماما وحرصا على نقل الحدث الذي يعد نقطة تحول هامة ومصيرية في الصراع الطاحن سواء في حلب ذاتها، أم في سوريا عموما. إن هذا التفوق الصحفي الغربي ليس غريبا ولا مستغربا، وغير مثير للدهشة لمألوفيته ولكونه القاعدة دائما. المدهش والمثير للتعجب، هو ذلك الاهتمام الضئيل والهزيل الذي أولته تلك الصحف المحلية للحدث الذي التهبت به وسائل التواصل الاجتماعي متابعة وتعليقا وتعبيرا عن المواقف المتباينة تجاهه. لم تحرص الصحف المحلية أن تصعد متابعتها إلى مستوى الحدث الذي أدار انتباه وعيون الملايين من الناس إليه. كانت متابعتها مجرد «تحصيل حاصل» لم تتعد في معظمها الإشارات في شريط الأخبار. بينما صحف الجانب الآخر تتفانى في تقديم نقل حي ومواكب لتطورات الحدث بالكلام وبالصورة والفيديو في محاولة واضحة لمنافسة قنوات التلفزة الفضائية. ومنافسة قنوات التلفزة الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت هي بمجملها بيت القصيد، هي التجسد المحسوس للتحدي الذي تواجهه الصحافة الورقية محليا وعالميا- الحقيقة التي يعرفها ويدرك أبعادها العاملون في الصحافة الورقية، خصوصا المحلية التي تواجه، وإن بدرجات متفاوته، أفول ما يمكن تسميته «عصرها الذهبي»، والذي تُلمسُ نتائجه في تقلص عدد صفحاتها إلى حد التلاشي، وانحسار الإعلان شريان حياتها، والذي دفع تقلص عوائده بعضها إلى تسريح أعداد من العاملين فيها، كما تحوم في الهواء أنباء عن تحول بعضها إلى إلكترونية؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه هروبا من التوقف. من وجهة نظر كائن غير متخصص، قد يراه بعض المتخصصين متطفلا على الصحافة، أقول إن تحول بعض الصحف الورقية المحلية إلى إلكترونية لن يكون العصا السحرية التي وبضربة واحدة في الهواء ستخرجها من المأزق المالي الصعب العالقة به، لما يعنيه التحول من تقليص الإنفاق وعدد العاملين. لن يكون التحول المرتقب خيط أريادني الذي عليها أن تتعلق به لتهتدي به للخروج من المتاهة. التحول بحد ذاته لن يكون منقذا، التحول بقصد تقليص الانفاق من أجل البقاء لن يكون ضامنا أكيدا لاستمرار البقاء. إن التحول المنقذ هو الذي يضع نصب عينيه منافسة التلفزة الفضائية ووسائط التواصل الاجتماعي، كما شاهدت في تغطية بعض الصحف الأجنبية لإجلاء بعض فصائل المعارضة من حلب. لن يكون ذلك سهلا، ولن يكون بتقليص النفقات، بل بالمحتوى الجيد والذي لن يتحقق إلا عبر الكوادر الصحفية الجيدة من القمة إلى القاعدة. باختصار.. الإنسان هو ما يجب التعويل عليه لتحقيق تحول ناجح منافس. أما الآلة فبطبيعتها محايدة تنقل الجيد والرديء، وتجلب الطيب والخبيث! ستبقى الورقية؟ ربما، لكن ليس بما هي عليه الآن! عليها أن تتحول أيضا وبورقيتها! * كاتب وعضو الصندوق الدولي لدعم الثقافة في اليونيسكو