تمر الصحافة المطبوعة بفترة عصيبة في العالم، وبالطبع في مصر أيضاً، إذ تقلصت مبيعات الصحف الورقية، وتتجه مؤسسات صحافية الى طي صفحة الإصدارات المطبوعة مكتفية بالإصدار الإلكتروني، وأخرى تحولت من الإصدار اليومي إلى الأسبوعي. وعلى رغم ذلك ما زالت البرامج التلفزيونية التي تقوم على قراءة الصحف تكاد لا تخلو منها قناة، فضلاً عن أن غالبية البرامج اليومية تتضمن فقرة رئيسية ثابتة تتمحور حول قراءة الصحف سواء المحلية أو العربية أو الأجنبية. ويعتقد الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز، أن تلك البرامج تُعد نمطاً من أنماط التبادل بين الوسائل الإعلامية، فالصحف تأخذ من الفضائيات وتتحدث عن الموضوعات التي ناقشتها في برامجها الحوارية أحياناً، والفضائيات تأخذ من الصحف بخاصة ما يتعلق بالسبق الخبري أو التحقيقات الاستقصائية أو المقالات. ويضيف عبدالعزيز أن هذا النوع من المحتوى يقدم خدمة جيدة للجمهور تُمكنه من متابعة بعض الاختراقات الخبرية واتجاهات الصحف وأيضاً مقالات الرأي لكبار الكتاب. لكن النسخة العربية لبرامج قراءة الصحف، خصوصاً في القنوات المحلية منها، تتخذ منحى هزلياً بعض الشيء، فهناك تحوير للمهمة، إذ تتحول هذه الحصة التلفزيونية إلى قراءة من جانب مُقدم البرامج تتضمن تعليقه الذي ينطوي على رأيه الشخصي، وهذا الأمر يُفقد هذه المعالجة قيمتها. ويتابع شارحاً: «من الضروري أن يقوم هذا النوع من المعالجات على فكرة النقل المتوازن عن الصحف، ولا بد من التركيز على الاتجاهات العامة للصحف والاختراقات الخبرية بخاصة ما يتعلق بالأخبار الموثقة الحصرية، كما يجب أن تكون معالجة الرأي أكثر عمقاً وتتناول اتجاهات عمومية للرأي وتوضيحها من دون التورط بتقديم الانطباعات». ويشير عبدالعزيز إلى أن معايير اختيار الأخبار والمحتوى في تلك البرامج لا بد أن تعكس موضوعية وتوازناً، لكن مجمل النسخ المحلية من هذه البرامج لا تلتزم بهذه المهمة، وهناك إفراغ لها من مضمونها، ويتابع: «لا أود التعميم، لكن معظم هذه البرامج يخفق في الاختيار الموضوعي المتوازن للموضوعات المنشورة في الصحف المطبوعة، وتتركز الإشكالية الأكبر عند تحويل تلك المتابعة إلى حصة للإدلاء بآراء المذيع الخاصة، حيث يحدث التفاف يساهم فيه ضعف الوظيفة الإخبارية للقنوات التلفزيونية في العالم العربي بسبب غياب فريق عمل لجمع الأخبار وفريق الإعداد الكفوء، فيكتفي المذيع بأن يستعير الخدمة الإخبارية من الصحيفة المطبوعة ويحولها إلى توك شو هزلي عبر الإدلاء بانطباعاته وآرائه الشخصية، بينما برامج الصحف في الفضائيات أو القنوات المتقدمة (الأجنبية) تقوم على الاختيار المدروس والموضوعي للمواد الصحافية التي تعكس حصرية أو انفرداً أو تبلور الاتجاهات العامة في منظومة الصحافة المطبوعة». وعن تأثير برامج قراءة الصحف وفقراتها في مبيعات الصحف سلباً أو إيجاباً، يقول عبدالعزيز: «هي تجربة من الممكن أن تكون أحد مصادر الإعلان والترويج للصحافة المكتوبة والمطبوعة في ظل تراجع شديد للصحافة المطبوعة في المنطقة وفي العالم، وهذا التراجع تحديداً ليست له علاقة بالتلفزيون أو بسبب هذه البرامج لكن له علاقة بنمط الاتصال السائد وانتشار الإنترنت». ويرى رئيس تحرير برنامج «الصحافة اليوم» على فضائية «النهار» المصرية محمد مرعي، أنه يوجد عدد كبير من برامج قراءة الصحف على الفضائيات، وغالبيتها تركز على ما تقوله الصحف من أخبار وتقارير، لكنه يؤكد أن بعضها تجاوز هذا النمط لأن فقرة قراءة الصحف أصبحت جزءاً من فقرات أي برنامج لذا تحول بعض تلك البرامج الى صناعة وإنتاج الخبر. وعن الانتقادات الموجهة الى بعض الإعلاميين حول أنهم يحولون هذه البرامج إلى منصات لعرض آراء شخصية، يقول مرعي: «برامج الصحف دورها الأساسي هو عرض أهم عناوين الصحف وأخبارها، كما أنها في مصر محدودة الوقت ولا تتجاوز الساعة، بالتالي لا مجال لأن يعرض المذيع رأيه وإلا تحوّل الى برنامج آخر في الشكل والمضمون. هناك أخبار أو تقارير تتطلب تساؤلات حولها ويتولى المذيع دور الوسيط في طرحها نيابة عن الجمهور عبر إجراء مداخلات مع خبراء مختصين. وهناك بعض الإعلاميين قد يدفعون بآرائهم الشخصية ولكن في شكل بسيط جداً في صورة تعليق عابر لا يخرج عن إطار المهنية. ولا أنكر أن بعضهم قد يحولها الى منصة للترويج لآراء مجموعات ينتمي إليها كي يلقى رواجاً وشعبية بينهم، وهي سمة موجودة بكثافة في الإعلام المصري حيث يخضع بعض الإعلاميين للابتزاز المعنوي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي كي يتبنى آراء بعينها ربما لا يكون مقتنعاً بها». وعن مزاحمة تلك البرامج الصحافة الورقية، يلفت مرعي الى أن برامج قراءة الصحف تعمل على الترويج للصحف المطبوعة لأنها تجذب القارئ مرة أخرى لها، لا سيما أنها تقدم مجرد عناوين للخبر أو للتقارير أو المقالات قد تجتذب القارئ وتحوز اهتمامه فيقبل على شراء المطبوعة. وعن معايير اختيار المحتوى، يقول مرعي: «يكون الاختيار وفق أهمية الخبر، فنحن لا نستطيع الانفصال عن الواقع الذي نعيشه، وهناك موضوعات تفرض نفسها وتكون حديث الساعة فلا يمكن إغفالها».