(5) عميقاً، في ذلكَ الظلامِ أنعمُ النظرَ، طويلاً وقفتُ هناكَ متسائلاً، خائفاً مشككاً، حالماً بأحلامٍ لا بشر تجرَّؤوا عمرهم أنْ يحلمَوا فيها قبلاً لكنَّ الصمتَ لم يُخرَقْ، والسكونُ لمْ يعطِ أيةَ إشارةٍ والكلمةُ الوحيدةُ التي قيلتْ هناك، كانت الكلمةُ المهموسةُ «لينور» هذه ما همستُ، وغمغمَ الصدى مرجِّعاً الكلمةَ، «لينور» مجرَّدُ هذه، ولا شيء أكثر. (6) عائداً إلى انعطافة الغرفة، كلُ روحي بداخلي تحترقُ، سرعانَ ما سمعتُ ثانيةً نقرةً أعلى بقدر بسيط عن قبلُ«بالتأكيد» قلتُ «بالتأكيد أنه شيءٌ على شباكِ نافذتي» «دعني أرى»، ماذا يوجدُ عندَها، واكتشفُ هذا السرَّ الغامضَ- إنَّها الريحُ ولا شيء أكثر. (7) افتحْ هنا، دفعتُ مصراعي النافذة، بحركاتٍ خاطفةٍ ورفرفةٍ، حيثُ هناكَ خطا غرابٌ جليلٌ من الأيامِ الورعةِ الماضيةِ لم يُبدِ أقلَّ الامتثالِ ولا الخضوعِ، ولا توقفَ ولا بقيَ دقيقةً، بلْ، بسلوكِ سيدٍ مولى أو سيدةٍ راقيةٍ، وقفَ فوقَ بابِ غرفتي- حطَّ فوق تمثال نصفي لِ«بلّاس»(1) تماما فوق باب غرفتي- حطَّ، وجلسَ، ولا شيءَ أكثر. (8) ثم أن هذا الطائرَ الأبنوسيَ قادَ بالخديعةِ خياليَ الحزينَ إلى الابتسامِ، بسلوكِهِ ومظهرِهِ الجديِّ والصارمِ الذي يلبسُهُ «رغم أن ريشك المنتوف والمحلوق، فأنتَ» قلتُ «متأكد أن لا غراباً مخيفاً، عتيقاً ومتجهماً ومرعباً يتجولُ من الشاطئ ِ الليليِّ أخبِرني ما اسمُكَ النبيلُ على الشاطئ ِ البلوتوني (2) الليليِّ قال الغراب، «لا أكثر أبداً». (9) أكثرَ ما أدهشَني هذا الطائرَ الأخرقَ أنْ اسمعَ حديثاً واضحاً جداً رغمَ جوابِهِ ذي المعنى القليلِ وما يحملُ من ترابطٍ لأننا لا نملكُ إلاَّ أنْ نوافقَ أنْ لا كائناً بشرياً حياً أبداً على الإطلاقِ بوركَ برؤيةِ طائرٍ فوقَ بابِ غرفتِهِ- طائرٍ أو وحشٍ على تمثالٍ نصفيٍّ فوقَ بابِ غرفتِهِ، باسمٍ ك «لا أكثر أبداً» (3)!! (10) لكنَّ الغرابَ، الجالسَ وحيداً على التمثالِ النصفيِّ الهادئ ِ،تحدَّثَ فقط أنَّ كلمةً واحدةً، كما لو روحُهُ في تلكَ الكلمةِ الواحدةِ قدْ أفاضَها لا شيءَ أبعدُ، عندئذٍ نطقَ- و لا هو رفرفَ ريشة عندئذٍ حتى إنّي نادراً أكثرُ ما غمغمتُ، «أصدقاءٌ آخرونَ قد طاروا من قبلُ- في الغدِ، سيتركُني كما طارتْ آمالي من قبلُ». عندئذٍ قال الطائر، «لا أكثر أبداً» (11) مجفلاً من سكونٍ مخترقٍ بجوابٍ قيلَ بشكلٍ ملائمٍ للغايةِ قلتُ: «بلا شكٍّ.. ما ينطقُ مخزونَهُ ومخزنَهُ الوحيدين، صِيدَ من سيدٍ تعيسٍ ما، الذي مصيبتُهُ غير الرحيمةِ تَبِعتْ سريعاً، وتَبِعتْ سريعاً، حتى أغانيهِ حملتْ همَّاً واحداًحتى المراثي لأملهِ الذي حملَ همَّ الكآبة لِ «أبداً - لا أكثر أبداً» (12) لكن الغراب مازال يخادعُ آخذاً كلَّ خيالي إلى الابتسامِ مباشرةً سيَّرتُ مقعداً بوسادةٍ أمامَ طائرٍ وتمثالٍ نصفيٍّ وبابٍ، ثمَّ بالغوصِ المخمليِّ، يممتُ نفسي إلى ربطِ خيالٍ بخيالٍ، مفكراً ما هذا الطائرُ المشؤومُ منَ الأيامِ الماضيةِ - ما هذا الطائرُ المتجهمُ، الأخرقُ، الشبحيُّ، الهزيلُ، والمشؤومُ منَ الأيامِ الماضيةِ كانَ يقصدُ بنعيبهِ «لا أكثرَ أبداً». (13) بهذا، جلستُ مشغولاً أخمِّنُ، ولكنْ لمْ أعبِّرْ بلفظٍ للطيرِ الذي عيناهُ أحرقتْ الآن لبَّ صدري، بهذا وأكثر، جلستُ أتكهنُ، براحةٍ ألقي برأسي على بطانةِ الوسادةِ المخمليةِ التي يضئُها بفرحٍ نورُ المصباحِ،بلْ التي لها بطانةٌ مخمليةٌ بنفسجيةٌ يضيئُها نورُ المصباحِ، هي(4) ستضغطُ، آه، لا أكثر أبدا! هوامش (1) بلّاس: هي «أثينا» إلهة الحكمة والحرب في الأساطير الإغريقية. (2) البلوتوني: يعتقد الشاعر أن الغراب من نهر ستيكس «Styx» في العالم السفلي، مسكن الموتى في الأساطير الإغريقية. و«البلوتوني» إشارة إلى «بلوتو» «Pluto» إله العالم السفلي. (3) يظن الشاعر هنا أن اسم الغراب «لا أكثر أبدا». لكنه يكتشف فيما بعد أن (لا أكثر أبداً) تعني انه لن يرى أبداً حبيبته (4) (هي) هنا تعود إلى حبيبة الشاعر الميتة (ليونور).