قبيل انعقاد القمة بساعات، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، أن الاتفاق النفطي، ونجاح الانتخابات الرئاسية اللبنانية، كانا مؤشرا على امكانية التعاون مع السعودية، وفي نهاية الشهر الماضي قال للصحف الكويتية ان لا نزاع طائفيا في المنطقة، وان إيران ليس لديها أية مشكلة مع دول المنطقة، ولا أي مطامع في أراضيها، وتحترم قراراتها وسيادتها، ولا تحتاج ان تملي عليها ما يجب، وما لا يجب أن تفعله، وكل ما نرجوه هو التعايش السلمي والتعاون المثمر. هذا الكلام السياسي والدبلوماسي يظهر جانبا من العقلانية، لكنه ايضا يبرز وجود فهم إيراني حقيقي لحركة التحولات القادمة، فقد اكتشفت إيران فشل سياساتها التدخلية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وانها ساهمت في تقويض الامن والاستقرار المجتمعي لهذه الدول، التي لم تشهد صراعا طائفيا من قبل، لا بل وقبل التدخل الإيراني كانت هذه الشعوب تمارس تعايشا نسبيا وايجابيا بين مختلف الطوائف، كانت هناك اختلافات لكنها ظلت داخلية ومحدودة، لان العقلاء هم من تسيدوا الموقف، لكن إيران ومنذ عام 2002 تحديدا بدأت تجد ضالتها، في المجموعات والميليشيات ورمزياتها ذات الصلة بالارهاب والقتل والدم، حتى صاروا قيادات يتحكمون بمصائر شعوبهم، ويرون أن مهمتهم الحقيقية، هي إرضاء إيران مهما كان. في العراق برز أبومهدي المهندس، وهو مطلوب دوليا، وكذلك أوس الخزعلي وهادي العامري، فهذه الشخصيات لا تمثل الشيعة، فهناك قامات فكرية وعلمية وثقافية شيعية محترمة، لكن المطلوب هو الابتعاد عن العقل هذه الفترة، مطلوب موتورون، يقدمون الولاء لإيران على حساب بلدهم ومواطنيهم، ولهذا كان قول أحد مراجع الشيعة العرب في العراق متسائلا: لماذا تقام سرادق العزاء في المؤسسات الحكومية، هذه ليست مؤسسات خاصة، بل مؤسسات وطنية لكل العراقيين بغض النظر عن طوائفهم ودياناتهم، كما لا يلزم رفع الرايات الدينية على وحدات الجيش العراقي فهو لكل العراقيين، وليس للشيعة وحدهم، وكذلك عندما خرج بعض المراجع وهم قلة، للقول إن جميع العاملين في العملية السياسية هم من الفاسدين، وبعضهم لم تعمه الطائفية للقول إن الجامعات والمستشفيات والطرق هي من عهد صدام، وماذا عملتم أنتم لشعبكم غير القتل والدمار. التحولات بدت واضحة، فالادارة الامريكية القادمة على اختلاف ونقيض لادارة اوباما، ترامب ليس مهووسا كما يحاولون اظهاره، بل ترامب سيكون أكثر رؤساء امريكا عقلانية وجدية وعملية، وعليه فإن الذي يعملون في الظلام لا مجال لهم في استراتيجية ترامب، هو بالضد من تغيير الانظمة كونه يعتبرها نمطا من الانماط الامبريالية، هو بالضد من توظيف الارهاب في خدمة السياسة، ولهذا فان إيران ونوري المالكي والمهندس والعامري ونصر الله والحوثي ليس لهم وجود في قاموسه السياسي، وهو مؤمن بضرورة دمج المعارضة بالسلطة، واول عوامل التغيير ستكون في العراق، وإيران لديها قراءة دقيقة لمؤشرات التغيير في العراق، فقد رفض الامريكان استعجال الحكومة العراقية بتقنين الحشد الشعبي، لان الاتفاق مع امريكا ان يتم التخلص من 50% من قوات الحشد الشعبي وان تصبح قوة امنية تحت مظلة وزارة الدفاع او الداخلية، لان امريكا ترغب ان يكون الجيش هو القوة الرئيسة. ولذلك فان فريق ترامب ابلغ الجانب العراقيوالإيراني، بعدم التمدد في الموصل، واعلنوا عن بقاء المارينز بعد تحريرها، وهذا يخالف التوجه الإيراني، لا بل ان القيادات الدينية الشيعية بدأت تستعجل الحديث عن المصالحة التاريخية، غير انها بهذا السلوك تحاول ان تجد لها مكانا في الترتيبات القادمة، لكن ترتيبات ترامب تؤكد ألا وجود ولا دور للاحزاب الدينية في السلطة، ولهذا فريق ترامب معجب بالتجربة المصرية الجديدة، وعليه فسيتم اعادة النظر في العملية السياسية في العراق، لكن إيران لا يهمها العراق قدر ما يهمها نفسها، فالتحدي القادم سيكون معها، ورموز ترامب توحي باستخدام مفرط للقوة. اذا ثمة تحولات تجري في المنطقة، ترامب يطمح لانشاء مظلة امن اقليمية، تركيا والسعودية ومصر، ولا مانع من ان ينضم اليها العراق، لكنه عراق ما بعد العملية السياسية الجديدة، والمرجع السيستاني سبق وأن دعا الاحزاب الدينية لعدم العمل بالسياسة، وقد يفتي بحرمة عملها بالسياسة، وتجد نفسها مضطرة لذلك، ولكن إيران ترى ان الانفجار الحقيقي سيكون في داخلها هذه المرة، وأن لا مجال لافتعال حروب جانبية لتبديد الوقت واشغال الادارة الامريكية الجديدة، فترامب يعرف أن الفوضى في المنطقة تتطلب كبح الجماح الإيراني، ومحاربة الارهاب، ليس على طريقة اوباما وانما يرغب ترامب بمقاولة مقدرة التكاليف والمدة والنتائج وجهة التمويل، ليس لديه وقت للقاءات صحافية ولا يرغب أن يقال ان هذه عقيدة ترامب او الترامبية كما يحلو للبعض ان يقول. تصريحات قاسمي دبلوماسية ومجسات نبض، وتلطيف للاجواء قبيل القمة الخليجية التي تحضرها هذه المرة رئيسة الوزراء البريطانية، فبريطانيا هي الوريث الشرعي لامريكا، وحضورها الاجتماع له دوافع لان بريطانيا خرجت توا من الاتحاد الاوروبي، وتسعى لتعزيز شراكتها الاقتصادية والامنية والعسكرية مع دول الخليج، وهذا يعني أن بريطانيا ستكون متقاطعة والسياسات الإيرانية، وسيكون لها تأثير على توجهات الادارة الامريكية القادمة في المنطقة.مشكلة المتحدثين في إيران انهم كثر، وكل منهم يصرح بشكل مخالف للاخر، حتى قاسمي تصريحاته نهاية شهر نوفمبر للصحف الكويتية وتصريحاته لوكالة الانباء الفرنسية قبل ايام، هي مخالفة لتصريحاته قبل شهر ونيف، والسبب الرئيس ان سقوط حلب لم يأت كما تريده إيران وكذلك الموصل، فروسيا منعت حزب الله من السيطرة على حلب واطلقت عليه صواريخها في رسالة واضحة ما جرى في حلب كان تفاهما بين الروس والاتراك والمعارضة وبالتالي مع النظام السوري، المسألة ليست تحريرا، حتى وان فتحت ممرات آمنة للمقاتلين، وايضا قاسم سليماني رامبو إيران لم يستطع الوقوف بحلب بل على مشارفها، لانه ممنوع من دخولها ايضا وهذا هو الاتفاق، وكذلك يحدث في الموصل، فالحشد الشعبي لم يتمكن من دخول مدينة الموصل الداخلية لان هناك اتفاقا امريكيا تركيا كرديا عربيا بهذا الخصوص.اذا الإيرانيون يدركون أن اتجاهات الرياح السياسية ليست في صالحهم، هم لا ينتقدون ادارة اوباما، لا بل أوصلوا رسائل عديدة لفريق ترامب، وعبر فريق اوباما، الا انهم لم يلقوا استجابة شافية، وسيقدم الإيرانيون تنازلات بطولية قد تفقدهم اتزانهم واستقرارهم الداخلي، وباعتقادي ليس لديهم من حل حقيقي سوى الانفتاح على المملكة، المملكة التي تقود دبلوماسية جديدة هذه المرة ناحية بغداد والقاهرة متجاوزة خلافاتها الماضية!