حين يُنسب خبرٌ ما لمصدرٍ دون ذكر اسمه، أو لشاهد عيان، قد يمر على بعض المتلقين، خاصة حين تتبناه وسائل إعلام معروفة، لكن عندما يُنسب الخبر لجهة محددة، مثل مؤسسة حكومية، أو منظمة عالمية، فإن هذه الجهة قادرة على دحض الخبر سريعاً، وتوريط ناقليه. راجت كثيراً فكرة نسب معلومة ملفقة وكاذبة، أو غير مستندة لدليل حقيقي، إلى الدراسات العلمية، لما لها من «سلطة» على ذهن المتلقي، فمثلاً يقال: أثبتت دراسة علمية أن العزاب أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب من المتزوجين، أو أثبتت دراسة علمية أن من يتناول عصير الرمان أكثر رومانسية ممن يتناول عصير الجزر. حسناً، ماذا لو أراد إعلاميٌّ ما أن يزيد جرعة الدراما لكسب المزيد من المصداقية لخبرٍ ملفق؟، يمكنه أن يقول مثلاً: أصدر مجلس الأمن الدولي بياناً رسميا حذر فيه من خطر الانهيارات الثلجية في السعودية. يمكن أن يتحول اللامعقول، والمثير للسخرية، إلى خبرٍ معقول، في حالات السجال الطائفي أو العرقي، ففي هذه الحالة، يصنع الخبر إعلاميٌّ موتور، أو أنه يعيد صياغة شتيمة في الشارع على شكل خبر، ثم يلصقه بمنظمات ومراكز بحثية دولية مثلاً، أو دراسة علمية، لجعله يبدو قابلاً للتصديق، ويداعب من خلاله الصورة النمطية المرسومة في ذهن جمهورٍ معين عن الآخرين المختلفين معهم، فيصبح الخبر حجةً في السجال مع هؤلاء المختلفين، ومادةً للتشنيع عليهم، وفرصةً لزيادة منسوب الهيجان الطائفي أو العرقي، بتحويل شتائم الشارع إلى أخبار ومعلومات لها مصادر معلومة، وتتبناها وسائل إعلام مشهورة. حتى مستوى التلفيق في انحدار، فالمرء يمكنه أن يتخيل كيف يصبح الكذب في سياق السجال الإعلامي والسياسي غير مبني على مجرد إيراد معلومات مغلوطة، بل تجاوز ذلك إلى استخدام لغة الشارع وتغليفها بما لا يغير من حقيقتها، ثم تقديمها للمتلقي. الخبر الملفق في تطبيق «واتساب»، ينتقل إلى وسائل الإعلام المعروفة، راكباً قطار التقارير الدولية، أو الدراسات العلمية، ليزيد الأحقاد اشتعالاً، ويعبر عن غياب مصداقية الإعلام، وتحوله إلى أداة تعبئة وتحشيد في صراعات الهوية. صار من الضروري أن يعيش المتلقي أزمة ثقة مع وسائل الإعلام، التقليدية والجديدة، والكم الهائل من الأخبار التي تُبَث يومياً، لأنها في الأغلب شائعات كاذبة، أو كلامٌ مُرسَل دون دليل، وهي تستحق الكثير من التدقيق، والحذر في التعاطي معها، أو المساهمة في نشرها. مصداقية بعض وسائل الإعلام تضاءلت بفعل تحوله إلى ساحة لنقل الأخبار دون تحري، بل وافتعال الكذب خدمةً لأجنداتٍ معينة، وعليه، لابد أن يكون سلوك المتلقي قراءة الخبر بحذر، والتدقيق في مصادره، قبل تصديقه أو تكذيبه. كاتب