في زمن التدفق المعلوماتي الهائل، يصبح التلاعب بالمعلومة وتزييف الحقائق أسهل، خاصة مع ما توفره التقنيات الحديثة من أدوات، تساعد في فبركة الأخبار والصور، ونشرها على نطاق واسع. وسائل الإعلام تقوم بدور أساسي في تشكيل الرأي العام، وتحديد أولويات الجمهور، عبر ترتيبها للأخبار، وتركيزها على قضية بعينها، لتصبح هي شاغلة الرأي العام، لكن بعض وسائل الإعلام، باتت تتعدى الفكرة التقليدية حول تركيز التغطية على قضية محددة للفت الأنظار لها، وإهمال قضايا أخرى لإبعاد الاهتمام عنها، فقد أصبحت تفبرك الأخبار والصور، وتنشر معلومات كاذبة، بغرض استقطاب الجمهور للخيار السياسي الذي يتبناه ممولو وسائل الإعلام هذه، فهذه الآلة الإعلامية أصبحت سلاحاً يُستخدم في تشكيل الرأي العام وفق أجندات محددة لجهات نافذة. هناك «مطبخ» لصناعة الأخبار، يصنع فيه الخبر ليتواءم مضموناً وصياغةً مع الأجندة الخاصة بالممولين، ويخرج الخبر ليتوزع على مجموعة من وسائل الإعلام المختلفة، من صحف وقنوات فضائية ومواقع الكترونية، وتقوم بترويجه أيضاً مجموعات من الموظفين في هذه القنوات والصحف، فينتشر بسرعة فائقة، ويصبح المتلقي أمام تدفق هائل للخبر نفسه، من مجموعة كبيرة من وسائل الإعلام المتنوعة، دون أن ينتبه أن كل وسائل الإعلام هذه تابعة لجهة واحدة، أي أنها ليست مصادر متعددة للخبر، بل مصدر واحد بقنوات متعددة، تسهم كلها في إغراق الناس بالأخبار والمعلومات التي تخدم توجه الممولين. أسلوب الإغراق والضخ المتواصل للمعلومات والأخبار هذه، مع التركيز على عبارات وكلمات معينة، يضمن تحشيداً وتعبئة لشرائح واسعة من المتابعين، خاصة وأن كثيرين لا يدققون في الخبر، لينتبهوا إلى كيفية بنائه وصياغته، فمثلاً تتردد أخبار كثيرة من مناطق الصراع والحروب، تُحيل إلى «ناشطين»، أو «مراقبين»، بوصفهم المصدر الأولي للخبر، وهؤلاء الناشطون مجهولون، إضافة إلى أنهم في الغالب جزء من الصراع القائم، وليسوا محايدين، وأحياناً تخترعهم بعض وسائل الإعلام، لأنها تريد بث خبر ما، فتنسبه إليهم. لا يتوقف الاختراع على المصادر الأولية للخبر، بل يتعداه إلى فبركة الصور وحتى المقاطع المصوَّرة، باستخدام أدوات التقنية الحديثة، فتنطلي في كثير من الأحيان على المشاهدين خدع بصرية، وتستنفرهم صور مفبركة، لمعاناة إنسانية يُشار إلى تسبب مجموعات معينة فيها، بغرض تسعير الفتن داخل المجتمعات، وقد ينساق البعض وراءها، وهنا، تلعب بعض وسائل الإعلام دوراً في تعبئة الناس بالأحقاد، عبر الاستفزاز المستمر لمشاعرهم، باستخدام صور المعاناة الإنسانية، وزرع الكراهية لتحقيق غايات سياسية. لابد من الحذر في التعاطي مع المعلومات والأخبار المنتشرة في الفضاء الالكتروني، والتحقق من مصادرها، وتتبع الجهة الممولة لوسائل الإعلام التي تبث المعلومة، خاصة بعض المواقع الالكترونية غير المعروفة، حرصاً على الحقيقة، ورفضاً لاستثمار بعض الجهات في بث معلوماتٍ تثير الفتنة بين الناس. كل معلومة تحتاج إلى تدقيق، هذه قاعدة مهمة للتعاطي مع تدفق المعلومات الهائل.