لا أحد أكثر علما ومعرفة في إدارة الحكم المحلي والمناطق مثل الملك سلمان - حفظه الله- فتجربته في منطقة الرياض، كانت ثرية ومعاصرة، ومختلفة أيضا، فقد عاصر نشأة الرياض منذ وقت مبكر، وكانت له رؤيته في تطويرها، وفي نسج العلاقات الحية مع رموزها، وقواها الحية، وكان مسؤولا عن نبضها الحي والجمالي والانساني، ويعرف كيف تصحو الرياض وكيف تنام. وللملك اهتمامات عديدة وبخاصة في التاريخ السعودي والتاريخ الاجتماعي وهو شخصية حادة الذكاء، ولديه فراسة خاصة بالرجال، وهو واسع الثقافة والاطلاع، وقد أدهشنا ذات لقاء في امارة منطقة الرياض وهو يتحدث عن الإعلام وفنون الخبر الصحفي، والنقد والنقد الايجابي للمسؤولين، وهو قارئ، كنا نخاف تعقيبه أو نقده ونستبشر خيرا بثنائه، ومن عمل في قطاع الصحافة والإعلام، كان يعرف أن الملك قارئ لاتجاهات الرأي العام، ويكاد يعرف غالبية رؤساء التحرير والكتاب وبينه وبينهم علاقة خاصة. في هذا اللقاء، قال يهمني النقد لكن على أن يكون هدفه التصحيح الايجابي، وأن يبنى على معلومة حقيقية، وان يبادر الكاتب بالاتصال لمعرفة طبيعة أي موضوع يتطرق إليه، فبعض المسؤولين يقوم بواجباته بشكل ايجابي، وبعض العوائق ليست من مسؤولياته، وعلينا ان نتحرى الدقة فيما نكتب، وفي محاضراته في منطقة الرياض تكتشف أن لدى الملك رؤية شاملة للتخطيط التنموي والاقتصادي، جعلت من الرياض نموذجا يحتذى، من حيث التنوع والاتساع والتطور السريع، ولهذا كان توجيهه بانشاء المجلس السياسي والأمني، ومجلس الاقتصاد والتنمية، رؤية عارف بالادارة، وتوزيع المهام والصلاحيات، ولعمري ان المجلسين، يرتكز عليهما الحكم في الادارة التنفيذية، والاستشرافية ايضا. تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين للمنطقة الشرقية، لافتتاح العديد من المشاريع الاقتصادية والتنموية والخدمية، تجسيدا حقيقيا لرؤية رجل خبر التنمية والادارة منذ أوقات مبكرة، وهو صاحب نظرة استشرافية وصاحب قرار سياسي، يرغب بتعميم رؤيته على مختلف مناطق المملكة، فهو مدرك لاهم وأدق التفاصيل، ومطلع على المخططات التنموية والاقتصادية لكافة المناطق بلا استثناء. وزيارة الشرقية لها مدلولاتها، فهي توحي بأن الهدف التنموي الداخلي يعد من رواكز السياسة الداخلية للملك، وان افتتاح المشروعات العملاقة، في قطاع الطاقة والبتروكيماويات، والاطلاع عن كثب على مشروعات البنية التحتية، ولقاء المواطنين، والاستماع لهم، تأتي في اطار رغبة الملك الدائمة في تعزيز الاتصال الحيوي بينه وبين مواطنيه، وهي زيارة ستعقبها زيارات لمناطق المملكة الاخرى بالطبع، حيث يأتي هذا النهج تكريسا لنهج من سبقوه من الملوك ممن جعلوا المواطن هدف العملية التنموية. ظلت السياسة السعودية طيلة تاريخها السياسي تؤمن بالعمل والانجاز، وتؤمن بالاهتمام بالوطن والمواطن، وكان رفاه المواطن هدفا رئيسا لسياساتها، ويشهد على ذلك التنوع الاقتصادي، والابتعاث العلمي والتعليمي، ومسارات التنمية وخطوطها المستقبلية المتمثلة برؤية المملكة 2030، رغم محاولات المتصيدين في الماء العكر، محاولة هز قناعاتنا ومجتمعنا بقدرتنا على التخطيط الاقتصادي الأمثل لبلدنا، في محاولة يائسة وبائسة للنيل من اهدافنا الوطنية، واهدافنا بحماية أمننا الخليجي والعربي، وحضورنا الاقليمي والدولي المؤثر. فهم يستكثرون علينا ما نحن فيه من أمن واستقرار، ولا يجدون ما يدارون به فشلهم، سوى نقد الآخرين واتهامهم بعدم القدرة على البناء والنهوض، غير ان الحزم، كان مفاجئا لهم ولخططهم وبدد احلامهم وطموحاتهم وجعلهم يتطلعون ويبذلون الغالي والنفيس لعودة العلاقة معهم، حينما ادركوا اننا قيادة وشعبا، نمتلك من القوة والحصانة ما يجعلنا قادرين على التحدي، ومواجهة التحديات ببسالة دون خوف. إن زيارة خادم الحرمين الشريفين الكريمة الى المنطقة الشرقية، جاءت ايضا لتأكيد عمق الوشائج والوحدة الوطنية، حيث ظل البعض ينعق في الإعلام الاجنبي، ويكتب في سيناريوهات ليس لها جذور حيث كان شيعتنا أكثر انتماء لهذا الوطن وقيادته، وأكثر حكمة في تفويت الفرص على الآخرين، الذين كانت تجاربهم مجلبة للفوضى والخراب والدمار في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث اتخذوا بعضهم ادوات لتمرير مشاريعهم الصفوية والقومية. إن المتربصين بأمن واستقرار هذا البلد كثر، ولكن تربصهم يتحطم على صخرة وحدتنا وتلاحمنا ودعمنا لقيادتنا، وايماننا بأن التحول الاقتصادي ورؤية المملكة 2030 على ما نواجهه فيها من صعوبات، هي لخير بلدنا وشعبنا، وان من يطلع ويقرأ تجارب الآخرين، يعرف كيف ان بلدنا ولله الحمد ماض الى آفاق ايجابية، ولعل ماليزيا المسلمة، استطاعت ان تجري تصحيحا اقتصاديا في الثمانينيات قاسيا، بارادتها الذاتية، وان تخرج منه دولة قوية، حيث تطوير التعليم والزراعة والتخطيط الواسع للتنمية. ان تركيا المسلمة نموذج يحتذى ايضا، فقد كانت في الثمانينيات دولة فقيرة، يسيطر عليها الفساد، وتحكمها العصابات، والانقلابات وغيرها، لكنها في عام 2002 بدأت التخطيط الاقتصادي الامثل، وبدأت تستعيد مكانتها عندما آمن شعبها بقدرتهم على صناعة نموذجهم الاقتصادي والسياسي، حتى أصبحت تركيا اليوم قوة اقتصادية وسياسية تخطب ودها الدول والمجتمعات. هذه الزيارة تأتي في اطار خطة المملكة المستقبلية، حيث الاهتمام بقطاع الخدمات، والاهتمام بالتعليم، وتنفيذ حزمة من المشاريع، حيث تعد المنطقة الشرقية على خريطة الاولويات في الاستثمار الاقتصادي، والتي تشكل احدى الوجهات السياحية الرئيسة في المملكة، وفي اطار التكامل الاقتصادي الخليجي، حيث تنتظم شرايين الاقتصاد الوطني لترتبط بالاقتصادات الخليجية، مؤكدة على وحدتنا وترابطنا الخليجي والعربي. إن افتتاح مشاريع تعليمية، ومستشفيات، وسكك حديدية، ومجمعات صحية، ومدن سكنية، وعمادات وكليات، ومرافق متنوعة، ومشروعات الإسكان، ومشروعات لشركة أرامكو، في زيارة تمتد لثلاثة أيام متتالية يزور فيها مدن المنطقة الشرقية، ويعقد مجلس الوزراء جلسته في مدينة الخبر، ويلتقي مواطنيه ليستمع منهم ويقابلهم، ويعرف على ارض الواقع حاجاتهم، أمر يؤكد أن نهج الملك سلمان، كما توقعناه منذ البداية بأنه نهج يركز على التنمية والادارة المحلية، وعلى الترشيد والمحاسبة والحزم. إن المنطقة الشرقية وبأميرها المحبوب والمميز والمتواضع الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز، صاحب الخلق الرفيع، والرؤية الثاقبة، والشخصية التي ما فتئت الاستماع والاطلاع على اهتمامات المواطن، وتوجيه المسؤولين لخدمته، وجعل نوافذ الامارة مفتوحة عبر علاقة طيبة مع الجميع بلا استثناء، لهو جدير بهذه الزيارة والمكرمة الملكية، التي تأتي تكريما ومحبة لهم، ولجميع أجزاء هذا الوطن الغالي.