عندما تسأل الكثيرَ من الأبناءِ عن التخصصِ الذي يرغبون فيه، أو الجامعة التي يريدون الالتحاق بها، أو تخيرهم بين أمرين أو ثلاثة حتى وإن كان القرار يتعلق بأبسط الأمور تسمع الإجابة «لا أدري» أو «أي شيء» أو ما شابهها من الإجابات التي تفتقر للجدية في اتخاذ القرار، ويعزى ذلك للبيئة التي عاشوا فيها أو الخوف من الفشل والوقوع في الخطأ. من أهم سمات القائد المتميز اتخاذ القرارات سواء كانت القرارات اليومية أو الإستراتيجية، السريعة أو التي تحتاج لدراسة متأنية للوصول لقرارات صائبة. أبناؤنا هم قادة المستقبل وهم بأمس الحاجة لتنمية وتطوير هذه المهارة والاعتماد على أنفسهم في اتخاذ القرارات. تدخلات الوالدين المتكررة في صنع قراراتهم من أهم الأسباب التي تهدم بناء هذه المهارة لديهم بمحاولتهم اتخاذ أي قرار يتعلق بهم في المأكل والملبس وشؤون حياتهم، بينما الأولى ترك الخيارات لهم ومساعدتهم ببعض الآراء والمعلومات وترك القرار النهائي لهم لكي تنمو وتتطور هذه المهارة على مر السنين حتى وإن كان قرارهم غير صحيح ولم يرق للوالدين. كثرة اتخاذ القرارات حتى وإن كانت خاطئة ستنمي هذه المهارة عندهم وتكسبهم الثقة بالنفس وتسهل عليهم اتخاذ القرارات لاحقا في حياتهم العائلية والعملية والاجتماعية وغيرها وتخرجهم من بوتقة الاتكالية على الغير، وترسم طريق السعادة والنجاح أمامهم. حياة الإنسان مليئة بالقرارات التي لاينبغي أن تتخذ بطريقة عشوائية أو بالطرق التقليدية كالقرعة أو ما يعرف ب (عقرة بقرة قلي ربي عد العشرة)، أو غيرها من الطرق التي تعطل نعمة العقل التي وهبنا الله إياها. اتخاذ القرار يحتاج لعدد من البدائل أو الخيارات لدراستها وتقييمها بجمع أكبر عدد من البيانات والمعلومات وتحليلها لمعرفة السلبيات والايجابيات لكل منها. وأحيانا يتطلب الأمر معرفة التكلفة مقابل المنفعة التي تتماشى مع الأهداف والمبادئ والقيم، وكذلك النتائج والآثار المتوقعة سلبا أو إيجابا بعد التنفيذ. وقبل اتخاذ القرار لا يمنع استشارة ذوي الخبرة والاختصاص للاستفادة من خبراتهم والدروس التي تعلموها فذلك لا يعني الضعف بل كما قال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): «خيركم من جمع عقول الناس إلى عقله». قرارات الدراسة والزواج والوظيفة والتقاعد وما شاكلها قرارات مصيرية وتحتاج للتأني والدراسة لاتخاذ القرار المناسب بقناعة. ولكن بعض الأمور الطارئة أو الحساسة تحتاج إلى اتخاذ قرار سريع جدا والتنفيذ بأسرع وقت وهنا تتجلى الحاجة للتقييم السريع واتخاذ القرار مع مراعاة ارتفاع مستوى المخاطرة والمغامرة. كما يقال الأمر ليس جدا متأخرا، بل يحتاج من أبنائنا المبادرة وشد الحزام والمضي قدما لتحمل المسؤولية والتغيير لماهو أفضل بدلا من إلقاء اللوم على البيئة المحيطة، والتدريب على اتخاذ أكبر عدد من القرارات السريعة والمتأنية حتى وإن كانت غير صائبة، وطمس كلمة «لا أدري» من القاموس. ومن جهة أخرى رسالة للوالدين لتنشئة جيل صاحب قرار واثق بنفسه معتمد عليها، والتوازن والحد من التدخلات اليومية التي تهدم شخصية هذا الجيل منذ الطفولة.