من المعروف أن جُحا شخصية راوية من الطراز الرفيع والمميز تاريخياً، كنت أظن أنه شخصية وهمية من نسيج الخيال، نُسقطها مجازاً على بعض الروايات المنسوبة لشخصيته، لكن الباحثين يُثبتون بالبراهين أنه شخصية حقيقية، وقد اختار معهد الشارقة للتراث لملتقى الراوي لهذا العام عنوان (جحا في التراث الإنساني) ليسلط الضوء على شخصية الراوي، وهي حاضرة بصيغة أو بأخرى في مختلف حضارات وثقافات الشعوب. فغالبية الجماعات الاجتماعية في مختلف بلدان العالم تمتلك في رصيدها السردي والفكاهي شخصية جحا، وقد صممت تلك الشخصية بما يتلاءم مع طبيعة تلك الأمة وظروف الحياة الاجتماعية والثقافية فيها، ومن خلال العديد من أوراق العمل التي تم طرحها في الندوات الفكرية والمقهى الثقافي اتضح أن جحا كان متواجداً بقوة في بلاد الشام والمغرب العربي مروراً بمصر العربية، مع اختلاف ثقافة كل بلد عربي، وكذلك هو موجود في الثقافة التركية والإيطالية والفارسية، وفي كل بلد له ملابس متفق عليها يتوارثها الأجيال، وكأنها ملابسه تتنقل بين جيل وآخر، وقد تختلف الأسماء أحياناً كثيرة، لكنها في الجوهر والمضمون واحدة تقريباً، حيث تبقى شخصية جحا الفكاهي والذكي البارع الذي يدعي الحماقة. تسليط الضوء على شخصية جُحا في ملتقى الشارقة الدولي للراوي فكرة ذكية من معهد الشارقة للتراث، وظفها وجسدها في حفل الافتتاح الأكثر من رائع بطريقة مشوقة، والتي ألهمتنا بشخصية كانت منسية في زمن العولمة، وحضور شخصيات جحجوح في الملتقى وزيارتهم للمدارس ومجالس الضواحي لفكرة تؤسس لجيل مستلهم للقراءة ومتحدث لبق في نقل الحكايات التي كانت تحكى لنا في الزمن الماضي، زمن الطيبين، وشاهدت بعيني ذلك الحماس للاستماع الجيد لحكايات جُحا، وحبهم الشديد لتقليد تلك الشخصيات. منذ فترة من الزمن ونحن نفتقد الحكواتي الذي يحكي لنا بعض الروايات من التراث الشعبي، وحينما وجدت هذا الحكواتي يتنقل من مدرسة لأخرى ومن مجلس لآخر أدركت مدى أهمية ذلك الحكواتي، الذي أصبح في تعداد المنسيين في وقتنا الحاضر، وتأسيس جيل جديد قادر على الوقوف على المنصة يحكي قصصا بلغة جميلة لا تخلو من لغة الجسد المُكمل لجمال تلك الحكايا، وبهذا ينشأ جيل جديد مُحب للإلقاء والتأليف والقراءة.