أشرت في المقالة السابقة إلى جانب الرؤية التي ترى أن نجاح العملية التعليمية وتميزها بحاجة لتفعيل برنامج القراءة، وجعل التعليم يظهر ويعرف بتنمية حس القراءة، واعتبار القراءة أحد مؤشرات جودة التعليم، وبقي الحديث عن جانب العمل، وأعني به كيف يتم تحويل هذه الرؤية إلى خطوات عملية؟. وفي هذا النطاق يمكن الإشارة إلى مجموعة من الأفكار وبعض المقترحات العملية الممكنة التطبيق، ومنها: أولا: صناعة الرؤية، وتعني العمل على بلورة وصياغة رؤية معرفية كلية تشرح الفلسفة العامة، وتتحدد فيها الأهداف والغايات، المراحل والخطوات، وتجيب عن أسئلة: ماذا نريد من القراءة؟ وما علاقة التعليم بالقراءة؟ وكيف نصل إلى تعليم ينمي حس القراءة؟ ويعرف بهذا الحس ويظهر ويتجلى به؟. والحاجة إلى هذه الرؤية، لتحويل برنامج القراءة ليكون من سياسات التعليم، وكون العمل بهذه السياسة يبدأ من مراحل التعليم الأولى، ويبقى ويتدرج مع المراحل الأخرى، ويستمر ولا يتوقف إلى آخر المراحل، الأمر الذي يعني أننا من جهة أمام فترة زمنية طويلة، وإننا من جهة أخرى أمام مراحل تعليمية متعاقبة ومتدرجة، وكل مرحلة لها وضعيتها وطبيعتها النفسية والذهنية. ثانيا: تكوين وحدة إدارية مركزية تتفرع عنها وحدات صغيرة على مستوى المناطق والمحافظات، تعنى ببرنامج القراءة في التعليم، تضم خبراء وأصحاب اختصاص بهذا الشأن، وتقوم بوضع الخطط والسياسات والاستراتيجيات من جهة، ويكون لها من جهة أخرى الإشراف والمتابعة، وتعمل على دراسة الحالات، وتجتمع لديها التجارب والخبرات. والحاجة إلى هذه الوحدة الإدارية لكون أن برنامج القراءة يفترض أن يكون من سياسات التعليم، ومن السياسات الثابتة والمستمرة، وحتى يظهر التعليم ويعرف بهذا البرنامج ويتميز به، ويقال عنه إنه تعليم يعنى بحس القراءة، وبهذا الاعتبار فإن برنامج القراءة بحاجة إلى تطوير مستمر، وإلى تجديد وتحديث لا يتوقف، إلى جانب العمل على دراسة وتحليل التجارب والخبرات، والوصول إليها أينما كانت. ثالثا: إعداد كتاب توجيهي يتناسب وتدرج المراحل الدراسية، يكون دليلا للمعلم والطالب للاسترشاد به في برنامج القراءة، يشرح الكتاب القضايا الرئيسة المتعلقة بالقراءة، فكرتها وحكمتها، فائدتها وغايتها، أقسامها وأنواعها، طرقها وأساليبها، شروطها ومتطلباتها، وكيف نحافظ عليها، ونتمسك بها، ونتسابق إليها، وكيف نجعل منها عادة يومية نحتاج لها ولا نستغني عنها، كما نحتاج إلى الغذاء ولا نستغني عنه، فإذا كان الغذاء ضروريا للبدن، فإن القراءة غذاء ضروري للعقل. رابعا: تعيين شخص أو أكثر بصفته مسؤول برنامج القراءة في كل مدرسة، إما أن يكون من المدرسين وإما من الإداريين، توكل له أو لهم مهمة الإشراف والمتابعة لسير برنامج القراءة في كل مدرسة. وهؤلاء الأشخاص يمكن تعريفهم وتأهيلهم لهذا البرنامج من خلال إقامة دورات تثقيفية تختص بهذا البرنامج. خامسا: تخصيص حصة يومية في جميع المدارس وعلى مستوى المراحل كافة تكون للقراءة، على أن يختار الطالب بنفسه الكتاب الذي يرغب بقراءته، وهذا الكتاب إما أن يجلبه الطالب معه من المنزل أو يحصل عليه من مكتبة المدرسة، وفي نهاية الأسبوع تكون هذه الحصة لمناقشة الكتب التي تم الانتهاء منها، أي أن يتحدث كل طالب عن الكتاب الذي قرأه ويعرف به. الغرض من هذه الحصة لتعويد الطالب على القراءة اليومية، ولتكون حصة تطبيقية لبرنامج القراءة، وخلق صورة حسية مرئية عن القراءة عند جميع الطلبة، وحتى تصبح القراءة حاضرة في أحاديثهم اليومية، ومن أجل أن تتاح لهم فرصة التعرف على الكتب والتحدث عنها، ولتكوين ذاكرة عن القراءة تبقى حاضرة ومعروفة في سيرتهم المدرسية. سادسا: تجديد الاهتمام بالمكتبات المدرسية، وإعادة تأهيلها وتحديثها والعناية بها، وتعريف الطلبة عليها، وتخصيص حصة القراءة فيها بنظام التناوب بين الفصول، وجعلها مكانا مفضلا للقراءة، وأن تتوافر فيها الكتب على أنواعها وأقسامها، والعمل على تغيير الانطباع العام المتشكل عند الطلبة حول هذه المكتبات، وكيف أنها تمثل النشاط المهمل في المدارس، أو النشاط الواقف والمتروك، بدل أن تكون عنوانا تعرف به هذه المدارس ويضاف إلى رصيدها العلمي. سابعا: توفير الكتاب الجيد في المجالات المختلفة، وتوزيعه على الطلبة بطريقة الإهداء، أو أن تقوم وحدة برنامج القراءة بطباعة كتب مختارة تتناسب واختلاف المراحل الدراسية وتوزيعها على الطلبة بعنوان الكتاب الشهري، حتى يكون الكتاب الجيد في متناول الطلبة، ولتشجيع هؤلاء الطلبة على تكوين مكتبات منزلية لهم. ثامنا: القيام بنشاطات تثقيفية داخل المدارس لتحفيز الطلبة على القراءة، وذلك من خلال المحاضرات العامة، وتوزيع النشرات المعدة من وحدة برنامج القراءة، وإقامة الدورات والورشات الخاصة، وعن طريق برنامج الطابور الصباحي اليومي، إلى جانب أحاديث المعلمين بفقرات افتتاحية في أول الدروس، بالإضافة إلى تكليف الطلبة وخاصة المتفوقين بإعداد مواضيع في هذا الشأن وطرحها على الطلبة، وتذكير الطلبة بجميع المناسبات التي لها علاقة بالقراءة والكتاب وبالمعرفة عموما، ومنها اليوم العالمي للكتاب الذي يصادف يوم 23 أبريل من كل عام ميلادي. تاسعا: إلزام المعلمين ببرنامج القراءة، والتأكيد على صورة المعلم القارئ، وجعل القراءة من معايير اختيار المعلم، فالمعلم الذي يقرأ هو الذي بإمكانه أن ينمي حس القراءة في الطالب، فنحن بحاجة إلى المعلم القارئ لأننا بحاجة إلى الطالب القارئ. عاشرا: تكريم المتفوقين من الطلبة على مستوى المراحل كافة في برنامج القراءة سنويا، بإعطائهم شهادات تقديرية تذكر بسيرتهم في برنامج القراءة، وتحفزهم ومن معهم من الطلبة على الاستمرار بهذا البرنامج. هذه بعض الأفكار وبعض المقترحات العملية، آمل أن تجد من ينظر فيها ويتأمل.