في كتابه الصادر حديثًا (السعودية: الموروث.. والمستقبل، التغيير الذي يُعزز البقاء)، توزيع الفرات للنشر، يطرح المؤلف الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالرحمن (مشروعًا فكريًّا) لمواجهة المستقبل وتحدياته. هذا المشروع يواكب مرحلة تاريخية حاسمة وهامة لبلادنا وللمنطقة كلها، وهي مرحلة من أبرز ملامحها ومتطلباتها ضرورة الحوار الفكري الموضوعي الهادئ الذي يُثير العقول، ويستجيب للجيل السعودي الجديد المتفتح المتعلّم الذي أوجدته النقلة المعرفية والتنموية التي شهدتها بلادنا. في المئتين والثمانين صفحة يستعرض الأمير تركي مسيرة بلادنا، ويبرز موروثها الذي قامت عليه، ويشرح بتوسّع تطور العلاقة المثالية بين الحاكم والقيادات الدينية والعلماء خصوصًا أن الشريعة الإسلامية وتطبيقها هما (عماد الكيان الذي نعيش فيه، وإذا غابت وقع الكيان)، كما يقول، لذا يتطلع لأن تدرك الأجيال الجديدة مدى أهمية ركائز هذا الموروث، بحيث يكون (التغيير) الذي نتطلع إليه قائمًا على هذه الركائز التي حفظت بلادنا منذ قيام الدولة السعودية الأولى. في مقدمة الكتاب يبرز الأمير تركي الدافع القوي لإنجاز هذا الكتاب/ المشروع، ويذكر أن فكرته بدأت من سؤال (من إحدى فتيات الأسرة السعودية) جاء في خضم الحديث الذي برز في مجتمعنا بعد أن أهدى ملك البحرين السيف (الأجرب) إلى الملك عبدالله «يرحمه الله»، (سألتني: ما صلة القرابة التي تربطها بالإمام تركي بن عبدالله صاحب السيف؟!، ابنة تسأل عن قرابة جدها بها، وجدها هذا سُطّر اسمه بجدارة في التاريخ، وأدى دورًا مفصليًّا في حياة مجتمعنا وأمتنا حتى هذه الأيام. فتاة لا تعرف جدها، فضلًا عن دوره وإنجازاته، وهو رمز وطني رفيع). يقول الأمير تركي إن هذا التساؤل دفعه مجددًا لإثارة ما كان (يراقبه ويصارعه)؛ إذ يرى أن هذا السؤال يعكس حالة فكرية وثقافية واجتماعية لا تخص الفتاة صاحبة السؤال، بل تخص مجتمعنا ككل، فنحن كما يقول حالنا اليوم يكاد يكون غير متصل بحال الأسلاف وما أنجزوه وما أورثوه، ويرى أن هذا (خلل صارخ) بين قوة الموروث وضآلة إدراك وتصرّفات الأجيال الجديدة حياله، ويخشى أن يتطور ذلك إلى ما هو أخطر أي: (التشكيك والإهمال!). هذا القلق الموضوعي أضفى على أفكار المؤلف ومناقشاته لهذه الأفكار مصارحة ومكاشفة جعلت الكتاب وما يتضمّنه مادة خصبة لإطلاق مشروع وطني لحوار يستهدف الدفع ببلادنا إلى الآفاق التي تستحقها وتجعلها تستثمر، بروح وطاقة دافعة جديدة، كل المكوّنات الوطنية والموروثات السياسية والدينية ومكتسبات التنمية التي حققناها في العقود الماضية. من هذا المنطلق يأمل المؤلف (أن يُحيي هذا الكتاب نقاشًا تتجمّع فيه قدرات ومشاركات أبناء هذا الوطن المالكين الحقيقيين لهذا الموروث، كي نتلمّس جميعًا تطوير خطة وأساليب للعودة إلى مكتسبات هذا الموروث والحفاظ عليها، والبناء عليها، وتكييفها مع هذا الزمن المتسارع التغيير). ويُبدي المؤلف حذره العلمي من محتويات هذا الكتاب وما تضمّنه من أفكار أو نقاشات في اعتقاده أنها ربما لا تجد التوافق التام بين جميع فئات المجتمع. وهو مُحِق؛ فالكتاب يحمل رؤية جريئة وحذرة في نفس الوقت، ويقدِّم لنا مادة مغرية بالحوار والنقاش الموضوعي الذي تتطلبه التحديات الكبيرة التي تواجهها الدولة بكل مكوِّناتها. الكتاب يستحق القراءة بروح وطنية وصفاء ذهني وتجرُّد من الذات.. إنه يقدِّم مادة لمشروع حوار مع القوى التي تدفع أو تقاوم التغيير في مجتمعنا، بالذات الحوار مع مَن قد يَرَوْن في بعض الآراء المطروحة (خروجًا عن المألوف الذي استراحت إليه أنفسهم)، وبالتالي أصبحوا لا يريدون التغيير المخالف لقناعاتهم وتصوُّراتهم عن الماضي والحاضر والمستقبل. المؤلف لديه أمل وثقة بأن يكون الكتاب (مؤثرًا إيجابيًّا) على كل مَن يختلفون معه، (فالكتاب أتى ليستطلع المستقبل ويؤثر فيه إن أمكن)، وفي تصوُّري أن كل مَن سيقرأ الكتاب ولديه حرص على استقرار بلادنا، ويخاف على مستقبلها فسوف يجد أنه يحمل نفس هموم وتطلعات ومخاوف المؤلف، وربما يتطابق معه، ويمشيان سويًّا تجاه نفس الهدف. وللحديث بقية. الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالرحمن