تحدثنا في المقال السابق عن مفهوم، واهمية، ومحل التفتيش، وسوف نكمل اليوم (بإذن الله تعالى) الحديث عن التفتيش ببيان أنواعه. فهناك عدة أنواع مختلفة للتفتيش، ويتم تقسيمها بحسب الهدف، والغاية من ذلك التفتيش، وهي التفتيش الجزائي، والتفتيش الاحترازي (الوقائي)، والتفتيش الإداري. أولا: التفتيش الجزائي (الجنائي): يعرف بأنه (التفتيش المتعلق بإجراءات التحقيق الجزائية والتي تقوم بها السلطة المختصة عند وقوع الجرائم لكشف الحقيقة). وقد أقره النظام - رغم ما فيه من مساس لحرية ولحرمة ممتلكات الأشخاص - تغليبا للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، بهدف الوصول إلى كشف الحقيقة في الجرائم المرتكبة. وهذا النوع من التفتيش هو المنصوص عليه في الأنظمة الجزائية فقط، والذي تحدثنا عن بعضه في مقالتنا السابقة (في محل أو مكان التفتيش). مثل ما نصت عليه المادة (43) من نظام الإجراءات الجزائية (الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم (م/2) وتاريخ 22/ 1 /1435 ه) على انه (يجوز لرجل الضبط الجنائي في الأحوال التي يجوز فيها القبض نظاما على المتهم أن يفتشه، ويشمل التفتيش جسده وملابسه وأمتعته واذا كان المتهم امرأة وجب أن يكون التفتيش من قبل امرأة). ونصت المادة (45) منه أيضا على الآتي (إذا قامت أثناء تفتيش منزل متهم قرائن ضده، أو ضد أي شخص موجود على انه يخفي أشياء مهمة تفيد في كشف الحقيقة جاز لرجال الضبط الجنائي تفتيشه).ِ ونصت المادة (42) ايضا (لا يجوز لرجل الضبط الجنائي الدخول الى أي مكان مسكون او تفتيشه، الا في الاحوال المنصوص عليها نظاما، وبأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام، وما عدا المساكن فيكتفى بتفتيشها بإذن مسبب من المحقق، واذا رفض صاحب المسكن او شاغله تمكين رجل الضبط الجنائي من الدخول او قاومه، جاز لرجل الضبط الجنائي اتخاذ الوسائل المشروعة لدخول المسكن حسب ما تقتضيه الحال، ويجوز دخول المسكن في حال طلب المساعدة من الداخل، او حدوث غرق، او هدم، او حريق، او نحو ذلك، او دخول معتدى اثناء مطاردته للقبض عليه). ورجال الضبط الجنائي عرفتهم المادة (24 و26) من نظام الإجراءات الجزائية، فنصت المادة (24) على الآتي (رجال الضبط الجنائي هم الأشخاص الذين يقومون بالبحث عن مرتكبي الجرائم وضبطهم وجمع المعلومات والأدلة اللازمة للتحقيق وتوجيه الاتهام). ونصت المادة (26) على الآتي (يقوم بأعمال الضبط الجنائي، حسب المهام الموكلة إليه، كل من: أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام في مجال اختصاصهم - مديري الشرط ومعاونيهم في المناطق والمحافظات والمراكز- ضباط الأمن العام، وضباط المباحث العامة، وضباط الجوازات، وضباط الاستخبارات، وضباط الدفاع المدني، ومديري السجون والضباط فيها، وضباط حرس الحدود، وضباط قوات الأمن الخاصة، وضباط الحرس الوطني، وضباط القوات المسلحة، كل بحسب المهام الموكلة إليه في الجرائم التي تقع ضمن اختصاص كل منهم - محافظي المحافظات ورؤساء المراكز - رؤساء المراكب السعودية البحرية والجوية في الجرائم التي ترتكب على متنه - رؤساء مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود اختصاصهم -الموظفين والأشخاص الذين خولوا صلاحيات الضبط الجنائي بموجب أنظمة خاصة - الجهات واللجان والأشخاص الذين يكلفون بالتحقيق بحسب ما تقضي به الأنظمة). ولا يتضمن ذلك التفتيش، صور التفتيش الأخرى والتي أسبغ عليها هذا الوصف، والتي يكون هدفها في الأصل تحقيق أغراض إدارية محضة. ثانيًا: التفتيش الاحترازي (الوقائي): ويعرف بأنه الإجراءات التفتيشية الاحترازية الأولية، ويكون الهدف منها الحصول على معلومات عامة، وذلك يساعد في منع، أو تقليل وقوع الجرائم، أو المخالفات، وغيرها، ومن أمثلته، ما يحدث من إجراءات أمنية احترازية في نقاط التفتيش على الطرق العامة. وحتى لا يتعدى التفتيش الوقائي حدوده وأهدافه وغايته، فإنه يجب الاقتصار فيه على التفتيش الخارجي للمشتبه فيه، ويجب أن يكتفى فيه على مجرد المرور على ملابسه من الخارج فقط دون التنقيب على ما بداخلها، إلا إذا ظهرت قرائن قوية بوجود شيء خطر يحمله المشتبه به، كالسلاح أو السكين أو حيازة مخدرات، فيجوز لرجال الضبط حينئذ استخراجه والتحقق منه. والتفتيش الوقائي بهذا المفهوم لا يعد من أساسيات أو إجراءات التحقيق الجنائي، بل هو إجراء احتياطي لمنع وقوع جريمة أو مخالفة قانونية، تضر بالمصلحة العامة، فهو إجراء تمليه ضرورة حفظ الأمن وسلامة المجتمع، لذلك جرى الاصطلاح على تسميته (بالتفتيش الوقائي) وهو مباح لجميع رجال الضبط الجنائي. كما أن التفتيش الاحترازي لا يجب النص عليه نظاما بحكم انه إجراء وقتي تمليه متطلبات الضرورة لحفظ الأمن في المجتمع. ثالثًا: التفتيش الإداري: يعرف بأنه إجراء يهدف إلى تحقيق أغراض إدارية محضة يكون الهدف منها التحقق من تنفيذ وتطبيق الأنظمة واللوائح، والتأكد أيضا من سلامة هذا التطبيق، دون البحث عن أدلة جريمة معينة. ومثال ذلك: تفتيش الأشخاص والمسافرين وأمتعتهم الخاصة في المطارات ومحطات النقل، وكذلك تفتيش المسجونين بواسطة مسؤول السجن، وتفتيش عمال المصانع والشركات وغيرها، فهو كهدف عام يجري لغرض إداري محض فقط ليس له علاقة بجريمة معينة، ولا يدخل ضمن نطاق إجراءات الاستدلال أو التحقيق الجنائي. ومن صور التفتيش الإداري أيضا، التفتيش في المنافذ الجمركية، مثل تفتيش بعض الأشخاص الذين يدخلون ويخرجون من هذه المنافذ لمنع تهريب الأشياء المحظورة، وأن ما يميز هذا النوع من التفتيش عن النوع الأول (التفتيش الجزائي) هو انه من شروط (التفتيش الجزائي) وقوع جريمة، أو توافر قرائن وأمارات قوية كافية على وقوعها. أما التفتيش الإداري، فيكتفى بالشك فقط على وقوع جريمة تهريب مثلا. ومن صور هذا النوع أيضا: هو التفتيش الإداري بحكم الضرورة مثل ما يقوم به رجال الإسعاف من بحث وتفتيش في ملابس وأغراض المصابين الغائبين عن الوعي، لمعرفة هويتهم، أو معلومات عنهم قبل نقلهم للمستشفى، وذلك بهدف جمع ما في ملابسهم وحصره، وهذا لا يخالف النظام، لأنه يعتبر ضرورة ملحة تقتضيها الحاجة إلى التعرف على شخصية المصاب، وقد يكون الغرض من التفتيش أيضا في هذه الحالة حفظ ما مع المصاب من أموال، أو أوراق ومستندات، فهو جائز دون الحاجة إلى إذن. وسوف نتناول في مقالنا المقبل (بإذن الله تعالى) باقي الحديث عن التفتيش بذكر اهم الضمانات والضوابط التي حددها الشرع، والنظام عند اجراء التفتيش.