تمسح بيدها سحارتها المطرزة. تزيل كافة ذرات الغبار. وتفتحها بأناة. تخرج أحشائها: دمية خشبية زجاجة عطر فارغة، منديل قماش أبيض قديم. تقربه من فمها وتتذكر يوم عرسها. وأصابع زوجها تختطفه قبل أن تناله يد المأذون وسط ضحكات الموجودين الصاخبة. قميص نوم أحمر كان مفتاحها لولوج عالمها الجديد. تبتسم رغم غزارة الدموع المنسابة على خديها. المصاغ تحتفظ به في صندوق آخر داخل السحارة. تلتقطه بعناية. تفرغ محتوياته: أسورة ذهبية على هيئة ثعبان، خاتم بفص وحلق له دوائر. تقبل كل قطعة، تتأمل بإعجاب لمعانه الأصفر. كلماته تزلزلها. وعند ما ترفع يدها لتداري أسنانها البارزة وهي تضحك خجلاً، يخفض يدها لأسفل ويقبل أناملها. لا تعرف لماذا هي من بنات القرية– وهي الدميمة– التي هام بها عشقاً. كل شييء يهون مقابل نظرة من عينيه الصافيتين. لم يقبل توسلاتها ولا دموعها الغزيرة وهي تستحلفه ألا يسافر لبلاد بعيدة، يئس في إقناعها بحلمه في بيت يخصهما وعيشة مترفة. غادر المركب حاملاً معه روحها. مرت أيام وشهور وسنوات.. ولا تعرف شيئاً، هل مات مع الغرقى أم وصل لبلاد غريبة عيونهم زرقاء وشعورهم صفراء ونساؤهم تغوي الرجال. كل مدة تجلس القرفصاء فوق أحزانها، وتمسح بيدها سحارتها المطرزة.