لم أعتد على عدم عنونة مقالاتي بل العادة أن يسبق العنوان دوما لعقلي قبل أن أكتب أي أمر، ومن ثم تتوالى الأفكار ويبدأ القلم بالكتابة حتى أنهي ما بدأته من فكر. ولكن هذه المرة لم أستطع كتابة العنوان وتركته حراً بين أيديكم ليضع كل منكم تصوره لما سأكتب. كاتبة سعودية وامرأة لها من الابناء والبنات الخير الكثير محبوبة من عائلتها سواء القريبة والبعيدة، ناجحة في حياتها الاجتماعية، ناشطة في المحافل الخيرية وغيرها، إن قصرت في حقهم فقد أعطت الوقت لاسرتها وان قصرت في حق أسرتها فهي تعطي الوقت لهم وما بين هذا وذاك فهي في نعمة انعمها الله عليها ولله الحمد والمنة. احببت ان أبدأ قصتها بهذه المقدمة حتى لا يعزو أحد تصرفها لأي من الأمور فلا يتحجج بأنها منقطعة أو لا عائلة لها او ليس لها حياة اجتماعية او غير ذلك من الأعذار التي تقلل أي تضحية تقوم بها أي امرأة، أو ان تجعل أي قرار مأخوذ يقلل من قيمتها او اعتبارها فقط لكونها امرأة. هذه الكاتبة قامت بمبادرة جريئة جداً ونفذت قرارا لا يمكن لأي إنسان ان يقوم به دون ان يخالطه الشك في هذا القرار او التردد والتراجع قبل أن يفعله، لا أن يفعله مبتسماً ويشارك فيه العالم أجمع، خمس سنوات قضتها هذه الكاتبة حسب قولها وهي تفكر بالأمر (سلبياته قبل ايجابياته) مردوده النفسي عليها وعلى زوجها وأبنائها ومن حولها، هل ستكون قادرة على مواجهة الكل، هل سترد على جميع التساؤلات والتهكمات، هل ستتحمل العبارات والأحكام الملقاة عليها وعلى تصرفها، خمس سنوات قضتها بالتفكير وليس ذلك فقط، بل مع التفكير قامت ببناء نفسها بقوة حتى تتصدى للكل من خلال أي منبر، لم يكن يهمها إلا زوجها والذي تخلع الحجاب لديه (موافقته، نظرته، قبوله برضى نفس لا لأجلها فقط..) وقد كان لها كل ذلك ولله الحمد، فوافق القرار رضا النفس ورضا الزوج ونسأل الله العلي العظيم ان يكون رضا الرب يسبق هذا كله. قامت في يومها وذهبت لمن ستنفذ لها القرار وسلمتها نفسها وأعطتها الأمر بحلق شعرها كاملا (نعم كاملاً).استغنت عن الجمال الحقيقي للأنثى والذي يضفي عليها الأنوثة الجميلة وبدل أن تقوم بتصفيفه وصبغه قامت بحلقه كاملاً وذهبت لتشارك مريضات السرطان بيومهن العالمي وتقول لهن (هأنذا معكن بكل قناعتي). ساد الهرج والمرج وحصل ماهو متوقع من المجتمع الذي لن يرضى أبداً لأي فعل تقوم به امرأه.. والظن هنا.. هل لو قام به رجل وحلق شعره كاملاً تضامناً مع هذا اليوم وهؤلاء المرضى ستكون ردود الأفعال متساوية؟؟ لا والله. بل ستبارك خطوته دوماً وأبداً لمجتمع يرى حكمة الرجل بقراراته وغباء المرأة بقراراتها. الحدث بحد ذاته ليس مهماً، وحلقها لشعرها ليس الرسالة التي أرادت الكاتبة (مها بنت سليمان الوابل) أن توصلها للكل بل أرادت أن تضرب للكل بوجه عام -وللمرأة بوجه خاص- بأنك تملكين نفسك، تملكين قراراتك، تملكين حياتك، تملكين روحك وليس لأحد غير الله -ومن ثم أنت- حق التصرف بها كيفما تشائين طالما أن هذا الأمر ليس فيه معصية لخالقنا سبحانه ولا فيه حياد عن ديننا وعقيدتنا وبالطبع لا يؤذي نفسياً أو جسدياً من حولنا بأي حال سواء كان قريبا او بعيدا. قرار قد وصل القمم بتنفيذه والجرأة القوية التي حوتها شخصيتها حتى جلست على ذلك الكرسي لتخسر معه جزءا من جمالها، جمال سيعود مع الأيام بإذن الله تعالى، ولم تخسر جمالاً لن يعود كخسارة الروح والدين، هذا درس قوي في اتخاذ القرار والذي وصلني منه أنا شخصياً هو أن الدورات وغيرها لا يمكن أن تجعل قوتي في اتخاذ القرار شيئا أكيدا، ولكن بناء النفس والثقة في الذات ستوصلني لهذا القرار وبالتأكيد لقرارات أخرى أتخذها برضى حتى لا أندم عليها أبداً.. شكراً مها على كل رسالة أرسلتها لي خاصة وللنساء عامة من خلال قرار جريء اشرقت شمس يومك به.