على حين غرة وعلى غير عادة دخل عليها والدها مكانها الخاص والذي تعتبره ملاذا ومهرباً في كل مرة يؤلمها أمراً ما، لتفعل ما تفعل دون ان يكون هناك عينٌ تراقب ولسانٌ ينصح أو يُهدد ويتوعد، قفزتْ من مكانها لتُلملم شعثها وتخفي ما يمكن إخفاؤه، ولكن أباها كان أسرع منها، أمسك يدها الضئيلة ورفع عنها قطعة القماش الخفيفة ليرى أسفلها والتي كانت الفتاة تحاول أن تخفيه، لم تقاوم ولم تمانع وكأن لسان حالها يقول.. انظر ماذا أفعل بنفسي. ثوانٍ مرت كالساعات حتى استطاع أن ينطق بكلمة واحدة ويقول: ما هذا؟؟ فقالت: ما تراه قال: أرى جروحاً وخدوشاً وأحرفا وعلامات... هل كنت تفعلين بنفسك هكذا؟؟ قالت: نعم. قال: لماذا كنت تؤذين نفسك هكذا؟ لم تجب، لأنها هي بحد ذاتها لا تعلم لماذا كانت تفعل هذا هي وصديقاتها؟؟ وعلى الفور بدأ الأب بإلقاء اللوم على مجموعة الفتيات اللاتي كن مصاحبات لابنته، وكأنه هو المربي الوحيد، وكأن ابنته هي التي تم إغواؤها لفعل ذلك وليست هي من فَعل ذلك بالفتيات وهذا هو الحال دوما، الكل يرى أن ابناءه لا يخطئون أبدا وان من يصحبونهم هم الذين أَدرجوا هذه التصرفات في حياتهم. لم يقف الأب مع نفسه، لم يواجه تصرفاته، لم يناقش والدتها، لم يبحث عن السبب الحقيقي لتوجه صغيرته ذات الثلاثة عشر ربيعا لهذا التصرف، لم يسأل نفسه أين كان من بداية الأمر وصغيرته تدخل في عالم الصمت والانطواء، بالرغم من تواجده في المنزل؟؟؟ بل انتظر حتى استفحل الأمر وكال الاتهام لمن حولها. كبُرت هذه الفتاة وانتقلت للمرحلة الثانوية وما زالت هذه الذكرى تؤرقها حتى الآن، وما زالت تريد أن تفصح بهذا الامر لمن لا يلقي اللوم عليها ولا ان يصفها بالجنون وعدم التعقل أو أن ينتقد هذا التصرفات، ولكن هيهات أن تجد هذا الشخص في مجتمع يرفض أن تُعقد الصداقة بين فتاة وأخرى بينهما فارق عمري بحجة ان الاكبر سناً اعلم بالحياة أكثر وهذا يؤدي إلى عواقب وخيمة،للأسف. ذَهبتُ أقلب صفحات الشرع كاملة (القرآن والسنة) لأبحث عن متغير العمر ولأحاول ان أجد مخرجاً لهذا التفكير المجتمعي، ولكن لم أجد أي أمر يشير لذلك، بل تمت الإشارة للدين حين قال بأبي هو وأمي - صلى الله علية وسلم -: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، ومع ذلك صاحبت هذه الفتاة من تفوقها عمراً وخبرة واستطاعت أن تفصح لها ما لم تفصحه لوالديها او لأي قريب لها، واستطاعت أن تجد بهذه الصحبة الأمان الذي كانت تبحث عنه والرفقة التي لن تساومها أو تحاسبها، بل التي ستكون معها بكل سقطاتها والتي ستخبرها بخبرتها ما هو الصحيح وما هو الخطأ، أين نحن من مشاركتهم كتابا نقرؤه جميعا ونناقشه حتى يتسنى لنا كأولياء أمور أن نعرف ما الذي يفكر فيه أبناؤنا وما هو مدى عمق أو سطحية تفكيرهم أو ما هو توجههم وميولهم؟، أين نحن من ذلك كله؟، أم إننا طوينا كل ذلك ونصّبنا أنفسنا حكاما وقضاة، فأصدرنا قرار الحبس والمنع والمراقبة، ونسينا أنهم أطفال ومراهقون وشباب يحتاجون إلى العبارة الجميلة والحضن الدافئ والفهم العميق وتحمل المسؤولية حتى يستطيعوا أن يشبوا بسلام وأمان وتوافق صحي ونفسي. الابناء نعمة قلّ من يشْكرها ويعرف حقوقها ويُحسن تربيتها، وليس هذا من الصعوبة فالحيوان يأتي كذلك بالأبناء يحتضنهم صغاراً ويدربهم فتية ويطلقهم للبراري شباباً فتنتهي الرابطة بينهم. ولكننا كبشر حُبينا بعقل وفكر لا بد من ان نحتضنهم صغاراً ونربيهم ونزرع فيهم القيم والمبادئ والحساب الذاتي وليس الحساب والنظرة المجتمعية، حقاً ليس الوالدان من احضرانا لهذا العالم بل هما من قاما على تربيتنا تربية صحيحة حقة وأوصلانا لبر الامان. لكل والد ووالدة، ما زال أمامكم كثيرٌ من الفرص للحاق بركب أبنائكم وتصحيح ما سبق، فاغتنموها واحسنوا احتضانهم وتفهموا مواقفهم ولوموا أنفسكم قبل أن تشيروا باللوم عليهم أو على صحبتهم. * تربوية متخصصة بالعلوم الشرعية والنفسية