لم تكن امريكا داخل أي ضمير حي على الأقل أرضا مطمئنة.. حقا إن فيها من الابهار والعجائب الشيء الكثير.. هي أرض ساحرة.. غريبة..عجيبة. ولن ينكرعاقل قوة تلك الدولة بكل المستويات، ولن يجحد مدى تقدمها في كثير من المجالات، ولن يتجاهل ما قدمته تلك الدولة من اختراعات وصناعات في شتى الأمور والمصالح حتى وإن كان المهاجرون هم من أحياها. لكن لن يكون من المنطق أن يتم تقييم أمريكا من خلال ما قدمته للعالم ونتغافل عما أخذته من العالم، وليس من الحكمة أن نقيمها عبر ما أصلحته ونغض البصر والعقل عما أفسدته.. لو كان لأرضها حواس لأصابتها الفوضى من اختلال المفاهيم، وكثافة التناقضات، وتخالف الرؤى عن كثير من العالم. من المعروف أن أصنامها الثلاثة: «الحرية» التي وصلت بهم للشذوذ الجنسي المقيت، «الديمقراطية» التي انحسرت أمام الحق والعدل مقابل المصالح، «الإنسانية» التي أوصلت البيض ليحتقروا السود في الداخل والمستضعفين في الخارج «أصنام» صدرتها للعالم وأجبرته على تداولها. كما أن القوى الثلاث (السلاح- الإعلام- الاقتصاد) والتي تملكها أمريكا صنعت جبروتها العالمي، وشكلت القيم الأمريكية المزعومة، ووضعت أمريكا كحارس أمن مفترض على العالم سوغت لذاتها وبررت لنفسها التدخل في كل ممكن وغير ممكن، وجيشت لهذه الإستراتيجية، وأعدت خططا وقوة تقنية وعلمية توازي قوتها العسكرية. قوانينها شددت عليها أمريكا على انها قيم ومعان لا يمكن ان تتجاوزها.. مع اننا نراها أكبر وأكثر دولة مكروهة بالعالم بسبب سياساتها و«براغميتها المهووسة» وفقدان قيمها التي تدعو لها..وقتما تخرج جيوشها، واستخباراتها، وحاملاتها خارج أراضيها..وتقودها ظنونها، أو مصالحها المزعومة. بلاد الحرية تنكمش دوما فتكون دولة المنافع والأطماع فقط حتى ولو اسقطت كل القيم التي تثيرها هنا وهناك.. من زمن قتل الهنود الحمر مرورا بهيروشيما ففيتنام، وفضيحة «ووتر جيت» واخواتها، ثم أفغانستان فالعراق واليوم سوريا وغيرها كثير لم تأتِ به الأخبار وهم يزعجوننا في كل اطراف العالم عن العدالة والقانون وحقوق الناس. الاتهامات المرتبكة هي لغة امريكا التي افسدت العالم بسياستها المتخمة بالأوجاع والاطماع والعنصرية والاحادية..دوما يحدث الأمر وتحدث المحنة حين تتواجد سياسة تلك الدولة.. فالهدوء في مناطقنا يمرضها.. وصناعة الأزمة للاستغلال يبهجها.. كل ما حولها صيد ثمين لنظام متصلب مصنوع من خيوط قد تفصل او تقطع بحسب ما يراد لها. لا نحتاج إلى كثير من البراهين على خبث أمريكا السياسي، ولا نبتغي أدلة لإثبات اللوث السياسي الأمريكي، ولا لزوم لقرائن تدل على كمية الكذب في الطرح الأمريكي.. فالمؤشرات واضحة، والدلائل دامغة، والشواهد كثيرة، والتاريخ يسجل كل مرة.. فالعالم في نظر الأمريكان- كما أجده- هو حارة مصرية قديمة يعم فيها الخير، وتنتشر فيها البساطة، والعلاقات الطيبة وأمريكا هي «فتوة» الحارة وفي نفس الوقت هي «بلطجية» نفس الحارة الذين يأخذون الإتاوات ويفتعلون القلاقل ليبيعوا للطرفين الهراوات. الأنباء والأخبار والتحليلات يوميا تؤكد أن وراء كل مصيبة في العالم أمريكا وأتباعها بشكل مباشر أو غير مباشر.. أمريكا الاستكبارية أفسدت العالم بخدعها وميولها وانحرافاتها السياسية والاقتصادية.. أفسدت العالم باستفزاز قوى أخرى وتقاسم أطماع معها.. أفسدت العالم بالتدبير والمكيدة. أفسدت العالم باختراعها داعش القبيحة، وبدعمها ورعايتها اسرائيل الصهيونية المحتلة وايران الارهابية خاصة حتى مسحت دولا أخرى.. أفسدت العالم بفرض قيمها المزعومة المبنية على حرية غير مسؤولة وانحلال مباح وأطروحات مقيتة. أفسدت العالم بفكرة الدول دائمة العضوية وبما سمته الفيتو.. أفسدت العالم بجعل مجلسي نوابها وشيوخها كمجلس إدارة لشؤون العالم.. أفسدته بمنتجاتها الإعلامية المائلة وانحيازاتها. يبقى القول: ليس العبث السياسي الأمريكي وليد اليوم فالزمن مملوء بالمواقف الملوثة، والتحركات المشبوهة، والتقلبات الفاسدة.. فالاتجاه الأمريكي السياسي ليس له بوصلة.. لأنه اتجاهه دوما نحو جهات الباطل والزيغ والتضليل أينما كان مادام يحقق مصالحها ومنافعها.. المغرضة.. وأفسدته بصناعة الافلام الماجنة والشاذة.. فبظنكم كيف سيبدو أمن العالم بدون سياسة تلك الدولة؟.